العودة الى الصفحة الرئيسية

متى ولدت الزهراء عليها السلام؟

إن أول ما يطالعنا في حياة الصديقة الطاهرة هو تاريخ ولادتها عليها السلام. حيث يدعي البعض أنها عليها السلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات؟!

ونقول:إن ذلك غير صحيح.

والصحيح:هو ما عليه شيعة أهل البيت(ع)، تبعا لأئمتهم(ع)(1) ـ وأهل البيت أدرى بما فيه ـ وقد تابعهم عليه جماعة آخرون، وهو: أنها عليها السلام قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، أي في سنة الهجرة إلى الحبشة، وقد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاما. وقد روي ذلك عن أئمتنا(ع) بسند صحيح (2).

مضافا إلى هذا.

فمن الممكن الاستدلال على ذلك أو تأييده بما يلي:

1 ـما ذكره عدد من المؤرخين من أن جميع أولاد خديجة رحمها الله قد ولدوا بعد البعثة (3)، وفاطمة(ع) كانت أصغرهم.

2 ـالروايات الكثيرة المروية عن عدد من الصحابة، مثل: عائشة وعمر بن الخطاب وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم، التي تدل على أن نطفتها عليها السلام قد انعقدت من ثمر الجنة، الذي

____________

1- راجع ضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 2 مخطوط وجامع الأصول لابن الأثير: ج 12 ص 9 و 10.

2- البحار: ج 43 ص 101 عن الكافي بسند صحيح، وعن المصباح الكبير، ودلائل الإمامة ومصابح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وكشف الغمة: ج 2 ص 75 وإثبات الوصية وراجع: ذخائر العقبى: ص 52 وراجع أيضا: تاريخ الخميس ج 1 ص 278 عن كتاب تاريخ مواليد أهل البيت للإمام أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع، وراجع: مروج الذهب ج 2 ص 289 وغير ذلك.

3- راجع: البدء والتاريخ: ج 5 ص 16 والمواهب اللدنية: ج 1 ص 196 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 272.

 

تناوله النبي (ص) حين الإسراء والمعراج(4)، الذي أثبتنا أنه قد حصل في أوائل البعثة (5).

وإذا كان في الناس من يناقش في أسانيد بعض هذه الروايات

____________

4- تجد هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل البحار: ج 43 ص 4 و 5 و 6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع، وتفسير القمي، والاحتجاج. وغير ذلك، وراجع: الأنوار النعمانية: ج 1 ص 80. وأي كتاب حديثي أو تاريخي تحدث عن تاريخ الزهراء (عليها السلام). وتجدها في كتب غيرهم، مثل: المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 156 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة، ونزل الأبرار: ص 88 والدر المنثور: ج 4 ص 153 وتاريخ بغداد: ج 5 ص 87 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 357 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 277 وذخائر العقبى: ص 36 ولسان الميزان: ج 1 ص 134 واللآلئ المصنوعة: ج 1 ص 392 والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة: ص 31. ونقله في إحقاق الحق (قسم الملحقات): ج 10 ص 1 ـ 10 عن بعض من تقدم وعن ميزان الاعتدال، والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخب كنز العمال، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول. وقد تحدث في كتاب ضياء العالمين: ج 4 ص 4 و 5 مخطوط عن هذا الأمر، وذكر طائفة كبيرة من المصادر الأخرى. وثمة مصادر أخرى ذكرناها حين الحديث حول الإسراء والمعراج في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، فراجع.

5- راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 3 مبحث الإسراء والمعراج.

 

على طريقته الخاصة، فإن البعض الآخر منها لا مجال للنقاش فيه، حتى بناء على هذه الطريقة أيضا.

وأما ما يزعم من أن هذه الرواية لا تصح، لأن الزهراء قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فهو مصادرة على المطلوب، إذ أن هذه الروايات التي نحن بصدد الحديث عنها ـ وقد رويت بطرق مختلفة ـ أقوى شاهد على عدم صحة ذلك الزعم.

3 ـ قد روى النسائي: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة(ع) ردهما النبي (ص) متعللا بصغر سنها(6).

فلو صح قولهم:إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فإن عمرها حينما خطباها بعد الهجرة ـ كما هو مجمع عليه عند المؤرخين ـ يكون حوالي ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة، فلا يقال لمن هي في مثل هذا السن: إنها صغيرة.

4 ـقد روي: أن نساء قريش هجرن خديجة رحمها الله، فلما حملت بفاطمة كانت تحدثها من بطنها وتصبرها (7).

وقد يستبعد البعض حمل خديجة بفاطمة(ع) بعد البعثة بخمس سنوات، لأن عمر خديجة (رض) حينئذ كان لا يسمح بذلك.

ولكنه استبعاد في غير محله، إذ قد حققنا في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسم) أن عمرها كان

____________

6- راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 228 بتحقيق المحمودي، والمناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 393 (ط دار الأضواء) وتذكرة الخواص: ص 306 و 307، وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 46 مخطوط .

7- البحار: ج 43 ص 2.

 

حينئذ حوالي خمسين سنة، بل أقل من ذلك أيضا، على ما هو الأقوى، وإن اشتهر خلاف ذلك.

واحتمال أن يكون ذلك ـ أي ولادتها بعد سن اليأس ـ قد جاء على سبيل الكرامة لخديجة والرسول الله (ص) على غرار قوله تعالى: {أألد وأنا عجوز}.

غير وارد هنا، إذ لو كان الأمر كذلك لكان قد شاع وذاع، مع أننا لا نجد أية إشارة تدل على ذلك.

5 ـ ويدل على ذلك أيضا الأحاديث الكثيرة التي ذكرت سبب تسميتها بفاطمة، وبغير ذلك من أسماء، حيث تشير وتدل على أن هذه التسمية قد جاءت من السماء بأمر من الله عز وجل.

وهي روايات كثيرة موجودة في مختلف المصادر، فلتراجع ثمة(8).

____________

8- راجع: ينابيع المودة وكنز العمال: ج 6 ص 219 والمناقب لابن المغازلي: ص 221 و 229 وراجع كتاب ضياء العالمين مخطوط: ج 4 ص 6 / 9 ففيه بسط وتتبع، والبحار: ج 43 ص 13 وفي هامشه عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 وراجع: ذخائر العقبى: ص 26 وميزان الاعتدال: ج 2 ص 400 و ج 3 ص 439 ولسان الميزان: ج 3 ص 267 وطوالع الأنوار: ص 112 / 113 ط سنة 1395 ه‍ تبريز ايران، ومعرفة ما يجب لآل البيت النبوي، لأحمد بن علي المقريزي: ص 51 ط دار الإعتصام بيروت سنة 1392، والبتول الطاهرة لأحمد فهمي: ص 11 / 15.

مريم أفضل أم فاطمة عليهما السلام؟

قد يجب البعض عن سؤال: أيهما أفضل مريم بنت عمران(ع) أم فاطمة بنت محمد (ص) بقوله:

هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، وإنما هو مجرد ترف فكري أحيانا، أو سخافة ورجعية وتخلف أحيانا أخرى. ثم يقول:

وإذا كان لا خلاف بين مريم وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك؟ فلفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك.

أما نحن فنقول:

أولا:لا شك في أن الزهراء عليها السلام هي أفضل نساء العالمين، من الأولين والآخرين، أما مريم فهي سيدة نساء عالمها. وقد روي ذلك عن رسول الله (ص) نفسه، فضلا عما روي عن الأئمة عليهم السلام(9).

ويدل على أنها أفضل من مريم كونها سيدة نساء أهل الجنة،

____________

9- راجع: ذخائر العقبى: ص 43 وسير أعلام النبلاء: ج 2 ص 126 والجوهرة: ص 17 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 4 ص 376 وتاريخ دمشق (ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي : ج 1 ص 247 ـ 248 والمجالس السنية: ج 5 ص 63 عن أمالي الصدوق والاستيعاب وشرح الأخبار: ج 3 ص 56 ومقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 79 ونظم درر السمطين: ص 178 و 179 ومعاني الأخبار: ص 107 وعلل الشرائع: ج 1 ص 182، والبحار: ج 43 ص 37 و ج 39 ص 278 و ج 37 ص 68، ومناقب ابن شهر آشوب.

 

ومريم من هؤلاء النسوة(10).

ويدل على أفضليتها أيضا، ما روي عن الصادق(ع): لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه (11).

وهذا الخبر يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا.

ثانيا:إن سؤالنا عن الأفضلية لا يعني أننا نختلف في ذلك، بل هو استفهام لطلب المزيد من المعرفة بمقامات أولياء الله تعالى التي ورد الحث على طلب المزيد منها، لأنه يوجب مزيدا من المعرفة بالله تعالى.

ونحن لو اختلفنا في ذلك فليس هو خلاف الخصومة والعدوان، وإنما هو الخلاف في الرأي، الذي يأخذ بيدنا إلى تقصي الحقيقة وازدياد المعرفة، وتصحيح الخطأ والاشتباه لدى هذا الفريق أو ذلك.

ثالثا:إن علينا أن ندرك ـ كل بحسب قدرته ـ إن كل ما جاء في كتاب الله تعالى، وكل ما قاله رسول الله (ص) وأوصياؤه عليهم السلام، وأبلغونا إياه، وكل ما ذكر في كتاب الله العزيز، لا بد أن نعرفه بأدق تفاصيله إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وهو علم له أهميته، وهو يضر من جهله، وينفع من علمه. ولا ينحصر ما ينفع علمه بما

____________

10- راجع الرسائل الاعتقادية: ص 459 عن صحيح البخاري: ج 5 ص 36 وعن الطرائف: ص 262 عن الجمع بين الصحاح الستة ومرآة الجنان: ج 1 ص 61 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 19 / 20 و 21.

11- راجع الكافي: ج 1 ص 461 والبحار: ج 43 ص 10 و 107 وضياء العالمين مخطوط: ج 2 ق 3 ص 11 عن عيون المعجزات: وص 48 عن كتاب الفردوس.

 

يرتبط بالأمور السياسية فقط، أو المالية، أو الاجتماعية، أو التنظيمية، والممارسة اليومية للعبادات أو ما إلى ذلك.

وذلك لأن للانسان حركة في صراط التكامل ينجزها باختياره وجده، وبعمله الدائب، وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه، وهذا الإيمان وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، ومن المعرفة بالله سبحانه، وبصفاته وأنبيائه وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا، وما أعده الله لهم من منازل الكرامة، كمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذي سمى فاطمة(12)، وهو الذي زوجها في السماء قبل الأرض (13)، وبأنها كانت تحدث أمها وهي في بطنها (14)، وغير ذلك.

وهذه المعرفة تزيد في صفاء الروح ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه.

ومن الواضح: أن مقامات الأنبياء والأوصياء والأولياء، ودرجات فضلهم قد سمت وتفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلك كله.

____________

12- البحار: ج 43 ص 13 ح 7 عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 ح 2.

13- ذخائر العقبى: ص 31 وراجع كشف الغمة: ج 2 ص 98 وكنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 75 والبحار: ج 43 ص 141 و 145.

14- فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد للقزويني: ص 39 والبحار: ج 43 ص 2 ونزهة المجالس: ج 2 ص 227 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 27. 38 مخطوط.

 

غير أن بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علينا استيعابها، وتؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج في طي مراحل في هذا السبيل، تماما كطالب الصف الأول، فإنه لا يستطيع عادة أن يستوعب ـ بالمستوى المطلوب ـ المادة التي تلقى على طلاب الصف الذي هو في مرحلة أعلى كالطالب الجامعي مثلا، بل لا بد له من طي مراحل تعده لفهم واستيعاب ذلك كله تمهيدا للانتفاع به.

وكلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جديدة تتناسب مع موقعه القربى الجديد، واحتاج إلى المزيد من الصفاء، والطهر، وإلى صياغة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بل كل واقعه وفقا لهذه المستجدات.

وهذا شأن له أصالته وواقعيته ولا يتناسب مع مقولة: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.

وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام لم يترفع عن الخوض في أمر كهذا، حين سئل عن هذا الموضوع فأجاب. فهل يصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام(ع) دونما اضطرار، وهو الأسوة والقدوة؟!.

إذن..نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة(ع) من مقام علي وكرامة عند الله، ومعرفة ما لها من فضل على باقي الخلائق، وبحاجة إلى معرفة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأنها أفضل من مريم(ع)، ومن كل من سواها، حتى لو كانت مريم(ع) سيدة نساء عالمها.

إننا بحاجة إلى ذلك، لأنه يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام، ويدخل فاطمة إلى قلوبنا، ويمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونشعر بما تشعر، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ويؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها، فيزيدنا ذلك خلوصا وطهرا وصفاء ونقاء، ومن ثم هو يزيد في معرفتنا بحقيقة ظالميها والمعتدين عليها، ويعرفنا حجم ما ارتكب في حقها، ومدى سوء ذلك وقبحه.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية