العودة الى الصفحة الرئيسية

الخطبة الصوتية

 

خطبة فاطمة (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار
واحتجاجاتها

1 ـ برواية أحمد بن طاهر أبي طيفور (ت 280 هـ)
في كتابه بلاغات النساء

الرواية الاُولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار

قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم كلام فاطمة (عليها السلام) عند منع أبي بكر إياها فدك(1) وقلت له: إنّ هؤلاء(2) يزعمون أنّه مصنوع وأنه من كلام أبي العيناء الخبر منسوق البلاغة على الكلام(3).

فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم، وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة (عليها السلام).

على هذه الحكاية ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية

____________

1- أي إرثها من فدك وهي قرية كان للنبي نصفها فلما توفي صلوات الله عليه وآله أرادت فاطمة أن تأخذ نصيبها في الإرث منها فمنع أبو بكر دون ذلك محتجاً بقول النبي: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة".

2- يشير إلى قوم في عصره كانوا يغضون من قدر آل البيت.

3- يعني أنّ الطعن هو في نسبة هذا الكلام البليغ إلى فاطمة أما نفس الواقعة وهي منع الإرث فهي صحيحة ومثبوتة في كتب التاريخ.

 

العوفي أنّه سمع عبدالله بن الحسن يذكره عن أبيه، ثمّ قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه، وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحقّقونه، لولا عداوتهم لنا أهل البيت.(4)

ثمّ ذكر الحديث قال: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدك، وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها(5) على رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها(6)، تطأ ذيولها، ما تخرم(7) من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد(8)من المهاجرين والأنصار، فنيطت(9) دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، وارتج المجلس، فأمهلت حتى سكن نشيج(10) القوم وهدأت فورتهم، فافتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة

____________

4- وقد ذكر ذلك أيضاً عن الشريف المرتضى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 16 / 252.

5- اللوث عصب العمامة والخمار ما يستر به الانسان، وفي نسخة واشتملت بجلبابها.

6- اللمة الصاحب أو الأصحاب في السفر والمؤنس للواحد والجمع والحفدة أبناء الابن.

7- أي ما تترك ويروى ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

8- جماعة.

9- علقت.

10- من نشج الباكي غص بالبكاء في حلقه ويروى فأمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم الخ.

 

على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها (عليها السلام) فقالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(11) فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم(12) وأخا بن عمي دون رجالكم، فبلغ النذارة(13)، صادعاً بالرسالة، مائلا على مدرجة(14) المشركين، ضارباً لثبجهم، آخذاً بكظمهم، يهشم الاصنام، وينكث الهام(15)، حتى هزم الجمع وولوا الدبر، وتغرى الليل عن صبحه(16)، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق(17) الشياطين، وكنتم على شفا(18) حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة

____________

11- سورة التوبة: 128.

12- ويروى فإن تعزوه "أي تنسبوه" تجدوه أبي دون نسائكم.

13- الإنذار من أنذره حذَّره وخوَّفه في إبلاغه وصادعاً أي مجاهراً.

14- المدرج المسلك.

15- الثبج وسط الشيء ومعظمه وما بين الكاهل إلى الظهر والكظم مخرج النفس أو الفم وينكث يروى في نسخة ويجذ، والجذ القطع المستأصل وتروى هذه الجملة في نسخة هكذا "ضارباً لثبجهم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة آخذاً بأكظام المشركين يهشم الأصنام ويفلق الهام، وقولها على الرواية الأولى ينكث الهام لعله ينكس الهام من نكسه قلبه على رأسه.

16- أي أسفر.

17- الشقاشق جمع شقشقة، شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه إذا هاج ويروى وتمت كلمة الإخلاص.

18- حرف.

 

العجلان(19)، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق(20)، وتقتاتون الورق، أذلة خاشعين(21)، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد اللتيا والتي، وبعدما مني بهم الرجال(22)، وذؤبان العرب، (ومردة أهل الكتاب)(23)، كلما حشوا(24) ناراً للحرب أطفأها، ونجم قرن(25) للضلال وفغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها(26)، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها(27)بحده، مكدوداً(28) في ذات الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، وأنتم في بلهنية(29) وادعون آمنون، حتى إذا اختار الله لنبيه دار

____________

19- المذقة: الجرعة والنهزة الفرصة والقبسة ما تقبضه بيدك، وتريد أنّهم كانوا ضعافاً مهانين يتخطفهم الناس.

20- الطرق: الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه، ويروى تقتاتون القد.

21- خاسئين.

22- ويروى وبعد أن مني منهم الرجال الخ. وبهم الرجال شجاعتهم جمع بهمة وذؤبان العرب: لصوصهم ومردتهم.

23- هكذا في بعض النسخ.

24- أوقدوا.

25- نجم أي ظهر.

26- فغر فاه فتحه وأوسعه واللهوات جمع اللها وهي أقصى الحلق وينكفي يرجع.

27- ويروى يطفىء عادية لهبها بسيفه والصماخ داخل الآذان والأخمص إصبع القدم.

28- مكدوداً من كد جد وتعب.

29- كر فهنية وهي غضاضة العيشة ونعيمها.

 

أنبيائه، ظهرت خلة النفاق، وسمل(30) جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق(31) المبطلين، فخطر في عرصاتكم(32)، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه(33)، صارخاً بكم، فوجدكم(34) لدعائه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين(35)، فاستنهضكم فوجدكم خفافاً، وأجمشكم(36) فألفاكم غضاباً، فوسمتم(37) غير إبلكم، وأوردتموها غير شربكم(38)، هذا والعهد قريب، والكلم(39) رحيب، والجرح لما يندمل(40)، بداراً (وفي نسخة إنما) زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا(41) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم وأنى

____________

30- أي خلِق ورثَّ.

31- الفنيق الجمل البازل القوي.

32- العرصات: ساحات الدور.

33- من رقدته، يقال: هو غارز رأسه في سنة.

34- ويروى "فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين".

35- أي مغترين فيه.

36- ويروى: فأحمشكم.

37- من الوسم وهو العلامة.

38- الشرب ـ بالكسر ـ: مكان الشرب ـ بالضم ـ تريد أنّهم أخذوا ما ليس لهم واغتصبوا حقوق غيرهم.

39- الجرح، ورحيب: واسع.

40- يلتئم.

41- تشير إلى ما كان منهم عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنهم انصرفوا عن غسله إلى تنصيب خليفة عليهم يلي أُمورهم بعد النبي ولم يشتغل بتكفينه إلاّ آل البيت وآخرون معهم.

 

بكم وأنى تؤفكون(42)، وهذا كتاب الله بين أظهركم، وزواجره بينة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة، أرغبة عنه تدبرون، أم بغيره تحكمون، بئس للظالمين بدلا (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(43) ثم لم تريثوا(44) إلاّ ريث أن تسكن نغرتها، تشربون حسواً وتسرون في ارتغاء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون. ويهاً معشر المهاجرين، أأبتز إرث أبي(45) أفي الكتاب أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فرياً، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون. ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.(46)

ثم انحرفت إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تقول:

____________

42- أنى: كيف، والإفك أشنع الكذب.

43- سورة آل عمران: 85.

44- تريثوا: تبطئوا، ويروى "لم تريثوا أختها إلا ريث الخ"، ويروى: لم يلبثوا إلا ريث ـ أي لم تبطئوا عن منع الإرث عنا إلاّ ريثما تم لكم أمر الخلافة دوننا فبدأتم بهذه وثنيتم بتلك.

45- ويروى: أيها المسلمة المهاجرة ابتز إرث أبي أبا لله في الكتاب يا ابن أبي قحافة ـ تريد أبا بكر ـ أن ترث أباك ولا أرث أبي، وفي رواية ابتز إرث أبيه.

46- إلى هنا تجده في أعلام النساء، كحالة: 4 / 116 ـ 118.


قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(47)
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(48)

قال: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم.(49)

____________

47- الهنبثة: الأُمور الشديدة والاختلاط في القول والخطب الخطوب أي الاُمور العظيمة.

48- الوابل: المطر الغزير ـ وهذان البيتان فيهما الإقواء قال الإمام الشنقيطي الكبير: لم أجدهما إلاّ هكذا.

49- بلاغات النساء، ابن طيفور: 23 ـ 26، نقلناها مع هوامشها، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 249 ـ 251.

 

الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار أيضاً:

قال ابن طيفور: حدّثني جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة قال: حدّثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عيسى، قال: أخبرنا عبدالله بن يونس، قال: أخبرنا جعفر الأحمر، عن زيد بن علي رحمة الله عليه، عن عمّته زينب بنت الحسين (عليهما السلام)قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها، وخرجت في حشدة نسائها، ولمة من قومها، تجر أذراعها، ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)شيئاً، حتى وقفت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء.

فلما سكنت فورتهم(50) قالت: أبدأ بحمد الله، ثمّ أسبلت بينها وبينهم سجفاً(51) ثمّ قالت: الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها(52)، وإحسان منن والاها، جمَّ(53) عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها(54)، وتفاوت(55) عن الإدراك امالها، واستثن الشكر بفضائلها(56)،

____________

50- أي روعهم من البكاء.

51- أي أرخت ستراً.

52- سبوغ النعم: اتساعها، الإسداء: الإحسان.

53- كثر.

54- غايتها.

55- تباعد ما بينها.

56- يروى: بأفضالها واستثنه استحقه.

 

واستحمد إلى الخلائق بأجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها(57)، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها(58)، وأنى في الفكرة معقولها(59)، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شيء قبله، واحتذاها بلا مثال(60) لغير فائدة زادته، إلاّ إظهاراً لقدرته، وتعبداً لبريته، وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته، زيادة(61) لعباده عن نقمته، وجياشاً(62) لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله(63)، واصطفاه قبل أن ابتعثه، وسماه قبل أن استنجبه(64)، إذ الخلائق بالغيوب مكنونة، وبستر الأهاويل(65) مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله عزّ

____________

57- والندب من ندبه إلى الأمر دعاه وحثه.

58- موصول كلمة لا إله إلا الله توحيده وخشيته.

59- أنى أي بلغ غايته.

60- أي قدرها بلا شبيه.

61- أي دفعاً لهم.

62- أي إقبالا.

63- يخلقه.

64- ابتعثه أي أرسله بالنبوة واستنجبه اختاره.

65- الأهاويل جمه أهوال واحدها هول وهي المخافة من الأمر لا يدري وكأنّها صلّى الله عليها تكني بذلك عن حيرة الناس قبل ظهور نور النبوة.

 

وجلّ بمآيل الأُمور(66)، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواضع المقدور، ابتعثه الله تعالى عزّ وجلّ إتماماً لأمره، وعزيمة على امضاء(67) حكمه، فرأى الأُمم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرقاً في أديانها، عكفاً(68) على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله عزّ وجلّ بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها(69) وجلى عن الأبصار غمها(70).

ثمّ قبض الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض رأفة واختيار، ورغبة بأبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن هذه الدار، موضوع عنه العبء والأوزار، محتف(71) بالملائكة الأبرار، ومجاورة الملك الجبار، ورضوان(72) الرب الغفار، صلّى الله على محمد نبي الرحمة، وأمينه على وحيه، وصفيه من الخلائق ورضيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحمة الله وبركاته، ثمّ أنتم عباد الله (تريد أهل المجلس) نصب أمر الله(73) ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على

____________

66- بمصيرها.

67- إنفاذ.

68- من عكف عليه أقبل عليه مواظباً.

69- شبهها.

70- ظلمها.

71- العبء الثقل محتف محاط.

72- رضاء.

73- أي مستقبلين له.

 

أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم، زعمتم حقاً لكم ألله فيكم عهد(74) قدَّمه إليكم، ونحن بقية استخلفنا عليكم، ومعنا كتاب الله بينة بصائره(75)، وآي فينا(76) منكشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره، مديم البرية إسماعه، قائد إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، فيه بيان حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وتبيانه الجالية(77)، وجمله الكافية، وفضائله المندوبة(78)، ورخصه(79) الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، ففرض الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والزكاة تزييداً في الرزق، والحج تسلية للدين، والعدل تنسكاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً، وإمامتنا أمناً من الفرقة، وحبّنا عزّاً للإسلام، والصبر منجاة، والقصاص حقناً للدماء(80)، والوفاء بالنذر تعرضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تعبيراً للنحسة(81)، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، وقذف المحصنات اجتناباً للعنة، وترك السرق إيجاباً

____________

74- أي زعمتم أن لكم حقاً في الخلافة أو في منعنا الارث فأين عهد الله لكم بذلك.

75- حججه.

76- تشير إلى ما نزل في القرآن عناية بآل البيت بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

77- أي فصاحته المبينة.

78- المستحبة.

79- جمع رخصة، وهو ما أباحه الشارع تيسيراً للناس.

80- تشير إلى قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).

81- تعبيراً من عبر الدرهم أو المتاع نظر ما وزنها والنحسة مبلغ أصل الشيء.

 

للعفة(82)، وحرم الله عزّ وجل الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنّه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(83).

ثم قالت: أيها الناس أنا فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أقولها عوداً على بدء، لقد جاءكم رسول من أنفسكم.

ثم ساق الكلام على ما رواه زيد بن علي (عليه السلام) في رواية أبيه.

ثم قالت في متصل كلامها: أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول الله تبارك وتعالى: (وورثَ سليمانُ داودَ)(84)، وقال الله عزّ وجل فيما قصَّ من خبر يحيى بن زكريا: (ربِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(85)، وقال عزّ ذكره: (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ)(86)، وقال: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)(87)، وقال: (إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ

____________

82- لزوماً لها.

83- سورة فاطر: 28.

84- سورة النمل: 16.

85- سورة مريم: 6.

86- سورة الأنفال: 75.

87- سورة النساء: 11.

 

وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(88)، وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي و لا رحم(89) بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(90)، أأغلب على إرثي جوراً وظلماً (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(91).

وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت: معشر البقية(92) وأعضاد الملة(93)، وحصون الإسلام، ما هذه الغميرة(94) في حقي؟ والسنة(95) عن ظلامتي؟ أما قال رسول الله: المرء يحفظ في ولده؟! سرعان(96) ما أجدبتم، فأكديتم،

____________

88- سورة البقرة: 180.

89- الرحم القرابة.

90- سورة المائدة: 50.

91- سورة الشعراء: 227.

92- المعشر الجماعة والبقية الفئة.

93- أنصارها.

94- من غمره في حقه دفعه عنه.

95- السنة أول النوم ويروى بعدها أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحفظ في ولده سرعان ما أجدبتم ويروى لسرع ما أحدثتم الخ.

96- أي ما أسرعكم إلى كذا الخ، وأكديتم منعتم.

 

وعجلان ذا إهانة(97)، تقولون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فخطب جليل، استوسع وهيه(98)، واستنهر فتقه(99)، وبعد وقته، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله(100) لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال(101)، وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة(102) عند مماته، (صلى الله عليه وآله وسلم)(103)وتلك نازل علينا بها كتاب الله في أفنيتكم(104) في ممساكم ومصبحكم، يهتف بها في أسماعكم، وقبله حلت بأنبياء الله عزّ وجل ورسله (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(105).

إيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبيه(106)؟ وأنتم بمرأى ومسمع،

____________

97- أي ما أعجلكم في إهانتكم إياي بما فعلتم معي.

98- الوهي الخرق الواسع.

99- استنهر استوسع.

100- اكتأبت اغتمت وخيرة الله أي الأفاضل عنده.

101- أي قل خيرها.

102- المهابة.

103- لعلها تشير إلى ما فعلوه عند وفاته من الانصراف إلى أمر الخلافة وتركهم آل البيت يغسلون النبي (صلى الله عليه وآله) ويكفنونه.

104- مجتمعاتكم أو دوركم.

105- سورة آل عمران: 144.

106- إيهاً كلمة إغراء وبني قيلة تريد الأوس والخزرج أنصار النبي، أأهضم ويروى أأهتضم من هضمه غصبه أو ظلمه والهاء في أبيه هاء السكت مر الكلام عليها.

 

تلبسكم الدعوة، وتمثلكم(107) الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار وعندكم الجنن(108)، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله، وأهل الإسلام، والخيرة التي اختار لنا أهل البيت، فباديتم العرب(109)، وناهضتم(110) الأمم، وكافحتم البهم(111)، لا نبرح نأمركم وتأمرون(112)، حتى دارت لكم بنا رحا الإسلام، ودرّ حلب الأنام، وخضعت نعرة(113) الشرك، وباخت(114) نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق(115) نظام الدين، فأنى(116) حرتم بعد البيان، ونكصتم(117) بعد الإقدام، وأسررتم بعد الاعلان، لقوم نكثوا(118) إيمانهم، أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، ألا قد رأى أن

____________

107- تأكلكم.

108- الوقايات.

109- جاهرتم بعداوتهم انتصاراً للنبي حين كذبوه وآذوه.

110- قاومتم.

111- ج بهمة وهو الشجاع اليقظ.

112- لعله وتأتمرون.

113- النعرة الكبر والخيلاء.

114- سكنت.

115- اجتمع.

116- كيف.

117- أحجمتم.

118- نقضوا.

 

أخلدتم إلى الخفض(119) وركنتم إلى الدعة، فعجتم(120) عن الدين، وبحجتم الذي وعيتم، ودسعتم(121) الذي سوغتم(122)، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد، ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر(123) صدوركم، واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة(124) النفس، ونفثة(125) الغيظ، وبثة(126) الصدر، ومعذرة(127) الحجة، فدونكموها(128) فاحتقوبها(129) مدبرة الظهر، ناكبة(130)الحق، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا

____________

119- اطمأننتم إلى لين المعيشة.

120- ملتم.

121- منعتم.

122- أعطيتم.

123- خالط.

124- من فاض الماء كثر حتى سال.

125- نفخة.

126- من البث وهو شكوى الحزن.

127- إنصاف.

128- الضمير يرجع للأشياء التي هي من حق فاطمة وزوجها علي ومنعوها عنهما كالإرث والخلافة.

129- ادخروها.

130- مدبرة من الإدبار ضد الإقبال وناكبة من نكبه نحاه وأبعده.

 

أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(131) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.

قال أبو الفضل: وقد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام وقد رواه قوم وصححوه وكتبناه على ما فيه. وحدثني عبدالله بن أحمد العبدي عن حسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة (عليها السلام): يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم)بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وإذا عزوناه(132)كان أباك دون النساء، وأخا ابن عمك(133) دون الرجال، آثره على كل حميم(134) وساعده على الأمر العظيم(135)، لا يحبكم إلا العظيم السعادة، ولا يبغضكم إلاّ الرديء الولادة، وأنتم عترة الله(136) الطيبون، وخيرة الله المنتخبون، على الآخرة أدلتنا وباب الجنة لسالكنا، وأما منعك ما سألت فلا ذلك لي.

وأما فدك وما جعل لك أبوك فإن منعتك فأنا ظالم، وأما

____________

131- سورة الشعراء: 227.

132- نسبناه إلى أحد.

133- أي علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

134- أي فضله على كل قريب.

135- الجهاد في نصرة الدين.

136- أي أولياؤه.

 

الميراث فقد تعلمين أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما أبقيناه صدقة(137).

قالت: إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(138) وقال: (وورثَ سليمانُ داودَ)(139) فهذان نبيان وقد علمت أن النبوة لا تورث! وإنما يورث ما دونها فما لي أمنع إرث أبي أأنزل الله فى الكتاب إلا فاطمة بنت محمد فتدلني عليه فأقنع به؟! فقال: يا بنت رسول الله أنت عين الحجة، ومنطق الرسالة، لا يدلي بجوابك، ولا أدفعك عن صوابك"(140).

____________

137- ويروى نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

138- سورة مريم: 6.

139- سورة النمل: 16.

140- بلاغات النساء، ابن طيفور ذكرناها مع هوامشها: 26 ـ 32.

 

الرواية الثالثة: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

"قال أبو الفضل: ما وجدت هذا الحديث على التمام إلا عند أبي حفان، وحدثني هارون بن مسلم بن سعدان عن الحسن بن علوان عن عطية العوفي قال: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) المرضة التي توفيت بها دخل النساء عليها فقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قالت: أصبحت والله عائفة(141) لدنيا كم، قالية(142) لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم،(143) وشـنئتهم بعد أن سبرتهم،(144)فقبحاً لفلول الحد،(145) وخور القنا،(146) وخطل الرأي،(147) وبئسما قدمت لهم أنفسـهم أن سـخط الله عليهم وفى العذاب هم خالـدون، لا جرم(148) لقد قلدتهم ربقتها(149)، وشنت(150) عليهم عارها، فجدعاً

____________

141- كارهة.

142- مبغضة.

143- نبذتهم بعد أن جربتهم.

144- أبغضتهم بعد أن اختبرتهم.

145- تثلمه.

146- ضعفه أو كسره.

147- فساده.

148- أصله لا بد أو لا محالة ثم كثر استعماله حتى تحول إلى معنى القسم.

149- أي مسؤوليتها والضمير راجع للخلافة.

150- صبت.

 

وعقراً(151) وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الامين، الطبن(152) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا(153) من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير(154) سيفه، وشدة وطأته، ونكال(155) وقعته، وتنمره فى ذات الله،(156)ويا لله لو تكافئوا(157) على زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً(158)، لا يكلم خشاشه(159)، ولا يتعتع(160) راكبه، ولأوردهم منهلا

____________

151- الجدع قطع الأنف، والعقر ضرب قوائم البعير بالسيف ونحوه، والجملة دعاء على من أرادت.

152- تريد كيف زحزحوها عن بيت النبي أو بالأحرى عن علي الطبن بأمور الدنيا والدين أي الخبير بها.

153- كرهوا.

154- شديد.

155- من التنكيل.

156- أي غضبه لله.

157- استووا.

158- سهلا ويروى لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعتقله ولسار بهم سيراً سجحاً.

159- لا يجرح جانبه والخشاش عود يجعل فى أنف البعير يشد به الزمام.

160- أي من غير أن يصيبه أذى ومنه الحديث الشريف: "يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع".

 

روياً فضفاضاً (161)، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً(162)، قد تحرى بهم الري غير متجل منهم بطائل بعمله الباهر، وردعه سورة الساغب(163)، ولفتحت عليهم بركات من السماء، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلمن(164) فأسمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً، إلى أي لجأ لجأوا واسندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟(165) ولبئس المولى(166) ولبئس العشير، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم(167)، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم(168) "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(169).

أما لعمر إلهكنّ(170) لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا(171)

____________

161- يفيض منه الماء.

162- شبعانين.

163- حدة الجائع.

164- تعالن مركبة من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك إليها، والنون فيها هنا نون النسوة.

165- عروة الكوز أو الدلو مقبضه مستعارة هنا.

166- الصاحب والجار.

167- الذنابى الذنب، والقوادم ريش في مقدم الجناح، والمراد أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، العجز مؤخر الشيء، والكاهل مقدم الظهر.

168- أي ذلا لأنوفهم مجاز عن ذل أنفسهم.

169- سورة يونس: 35.

170- أي أما وحق بقائه.

171- لقحت حبلت، النظرة التأخير في الأمر، وريث أي مقدار، وتنتج تلد.

 

طلاع القعب(172) دماً عبيطاً(173) وذعافاً ممقراً(174)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب(175) ما أسس الأولون، ثم أطيبوا(176) عن أنفسكم نفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً(177) وابشروا بسيف صارم، وبقرح شامل(178) واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، وإني بكم وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(179). ثم أمسكت (عليها السلام)(180).

____________

172- أي ملؤه.

173- طرياً.

174- يقال سم زعاف أي معجل إلى الموت، والممقر المر ويروى وزعافاً.

175- أي عاقبة ويروى "عين ما أسس الأولون".

176- طيبوا.

177- نفساً.

178- القرح الدمل، كناية عن فساد ألامور ويروى "بهرج شامل".

179- سورة هود: 28.

180- بلاغات النساء، ابن أبي طيفور: 32 ـ 33 مع هوامشها، إعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.

 

2 ـ برواية أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري
البغدادي (ت 323 هـ) في كتابه السقيفة وفدك.

الرواية الأولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار

رواها عنه ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في شرح النهج: وقد ذكر قسماً منها، ورواها عنه أيضاً أبو الحسن الأربلي (ت 693 هـ) في كتابه كشف الغمة: 1 / 480. وقد نقلها من نسخة قديمة مقروّة على مؤلفها المذكور.

قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصّه: وحيث انتهى بنا القول إلى هنا فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام) فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة(181)، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة

____________

181- جاء في تهذيب التهذيب: 7 / 460 ترجمة رقم: 767 قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق صاحب عربية وأدب، قال الدار قطني: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس، وقال الخطيب: كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة.

 

وقال المرزباني في معجم الشعراء: عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة، وقال مسلمة: ثقة أنبأ عنه المهرواني، وقال محمد بن سهل راويته: كان أكثر الناس حديثاً وخبراً وكان صدوقاً نزل بغداد عند خراب البصرة، ونزل في آخر عمره سر من رأى وتوفي سنة 202 وكان قد جاوز التسعين.

 

قديمة مقرؤة على مؤلفها المذكور، قرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، روى عن رجاله من عدة طرق أن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها، وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها، تجر أدراعها تطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء ـ وقيل قبطية ـ فأنّت أنةً أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم.

ثم قالت (عليها السلام): أبتدىء بحمد من هو أولى بالحمد والطَّول والمجد، الحمد لله على ما أنعم، وله الشكرُ بما ألهم، والثناءُ بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن أولاها(182)جم(183) عن الإحصاء عددها، ونأى(184) عن المجازاة مزيدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها(185)، واستتب الشكر بفضائلها(186)، واستحذى الخلق

____________

182- السبوغ: الكمال، والآلاء: النعماء. أسدي إليه: أحسن، أولاها: أي تابعها، باعطاء نعمة بعد أخرى بلافصل.

183- جم: كثر.

184- نأى: بعد، وفي بعض النسخ: ونأى عن الجزاء أمدها.

185- وفي نسخة: أمدها.

186- استتب الأمر: اطرد واستقام واستمر.

 

بانزالها(187)، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها(188)، وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به، أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله، وأنشأها بلا احتذاء مثله(189)وسمّاها بغير فائدة زادته إلاّ إظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته، وإعزازاً لأهل دعوته، ثمّ جعل الثواب لأهل طاعته(190)، ووضع العذاب على أهل معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أنّ أبي محمداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسمّاه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهايل مضمونة(191) وبنهايا العدم مقرونة، علماً منه بمآيل الأُمور(192)وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة منه بمواقع المقدور، وابتعثه إتماماً لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حقّه، فرأى (صلى الله عليه وآله وسلم)الأُمم فرقاً في أديانها، وعابدة لأوثانها، عكفاً على نيرانها، منكرة لله

____________

187- استحذى: خضع وذلّ. واستحمد: أي يطلب منه الحمد.

188- جعل الأعمال كلها خالصة لله.

189- في البحار: بلا احتذاء أمثلة امتثلها، واحتذى مثاله: أي اقتدى به.

190- في نسخة: وإعزازاً لدعوته ثمّ جعل الثواب على طاعته.

191- في نسخة: مصونة.

192- أي عواقبها، وفي نسخة: مآل الأُمور، بصيغة المفرد.

 

مع عرفانها، فأنار الله بأبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار عممها، ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، رغبة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)عن تعب هذه الدار، موضوعاً عنه أعباء الأوزار، محفوفاً بالملائكة الأبرار، ورضوان الربّ الغفار، وجوار الملك الجبار، فصلّى الله عليه، أمينه على الوحي وخيرته مِن الخلق، ورضيه عليه السلام ورحمة الله وبركاته.

ثمّ قالت (عليها السلام): وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة كتاب الله ووحيه، أُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم حولكم، لله فيكم عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان فينا متجلية ظواهره، مديماً للبرية استماعه، قائداً إلى الرضوان اتباعه، ومؤدياً إلى النجاة أشياعه(193)، فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومواعظه المكرورة، ومحارمه المحذورة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وجمله الكافية، وشرائعه المكتوبة، ورخصه الموهوبة، ففرض الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر، والزكاة تزييداً لكم في الرزق، والصيام تبييناً(194) إمامتنا، والحج تسنيةً للدين(195) والعدل تنسكاً

____________

193- في نسخة: ومؤد إلى النجاة استماعه.

194- في نسخة: تثبيتاً ـ أي تشييد الإخلاص وإبقائه.

195- أي سبباً لرفعة الدين وعلوه، وفي بعض الروايات ـ تشييداً ـ وفي أُخرى ـ تسلية ـ.

 

للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا لماً للفرقة، والجهاد عزّ الإسلام، والصبر مؤنة للاستيجاب(196)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والبرّ بالوالدين وقاية من السخطة، وصلة الأرحام منسأة للعمر، ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذور تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتناب قذف المحصنات حجاباً من اللعنة، والاجتناب عن شرب الخمور تنزيهاً من الرجس، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفة، والتنزّه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناساً للرعية، والتبرّي من الشرك إخلاصاً للربوبية، فاتقوا(197) الله حقّ تقاته، وأطيعوه فيما أمركم به فـ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(198).

ثمّ قالت (عليها السلام): أنا فاطمة بنت محمد(199) أقول عوداً على بدء، وما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً(200) فاسمعوا إليَّ بأسماع واعية وقلوب راعية، ثمّ قالت (عليها السلام): (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

____________

196- في نسخة: على الاستيجاب أي استيجاب الأجر كما في سائر الروايات إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.

197- من هنا إلى آخر الخطبة ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج: 16 / 211 ـ 213 عن الجوهري من كتاب السقيفة وفدك.

198- سورة فاطر: 28.

199- في نسخة: أنا فاطمة وأبي محمد.

200- السرف: الجهل. والشطط: البعد عن الحق ومجاوزة الحسد في كلّ شيء.

 

عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(201) فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعاً بالرسالة(202) ناكباً عن سنن مدرجة المشركين، ضارباً لثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذّ الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين، وفهتم بكلمة الاخلاص، مع النفر البيض الخماص، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، مذقة الشارب ونهرة الطامع، وقبسة العجلان، وموطأة الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب(203)، كلما حشوا ناراً للحرب أطفأها الله، ونجم قرن الضلالة وفغر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً ذؤوباً في ذات الله، وأنتم في رفهينة ورفغينة، وادعون آمنون، تتوكّفون الأخبار، وتنكصون عن النزال.

____________

201- سورة التوبة: 128.

202- في رواية النذارة.

203- ذؤبان العرب: صعاليكها الذين يتلصّصون.

 

فلمّا اختار الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه وأتمّ عليه ما وعده، ظهرت حسيكة(204) النفاق، وسمل جلباب الإسلام فنطق كاظم، ونبغ خامل، وهدر فنيق الكفر، يخطر في عرصاتكم، فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، واستنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فوجدكم غضاباً، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل فوسمتم غير إبلكم، وأوردتموها شرباً ليس لكم، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما يقبر بدار، أزعمتم خوف الفتنة (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(205).

فهيهات منكم وكيف بكم وأنى تؤفكون، وكتاب الله جلّ وعز بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه، زواجره واضحة، وأوامره لايحة، أرغبة عنه تريدون، أن بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(206).

هذا ثمّ لم تبرحوا ريثاً ـ وقال بعضهم: هذا ولم يرثوا أختها الإريث ـ أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، ثمّ أخذتم تورون

____________

204- حسيكة وحساكة: العداوة والظغن.

205- سورة التوبة: 49.

206- سورة آل عمران: 85.

 

وقدتها، تتهيجون جمرتها، تشربون حسواً في ارتغاء وتمشون(207)لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشاء(208)، ثمّ أنتم أولاء تزعمون أن لا إرث لي، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله جلّ ثناؤه: (وَوَرثَ سُلَيْمانُ داودَ)(209) اقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ * وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)(210) وقال تبارك وتعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)(211) فزعمتم أن لا حظّ لي ولا إرث لي من أبيه أفحكم الله بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(212).

إيهاً معاشر المسلمة أو ابتز إرثيه، أألله أن ترث أباك ولا أرث

____________

207- مثل يضرب لمن يفعل في الباطن شيئاً ويظهر غيره.

208- الوخز: الطعن غير النافذ.

209- سورة النمل: 16.

210- سورة مريم: 5 ـ 6.

211- سورة النساء: 11.

212- سورة المائدة: 50.

 

أبيه، لقد جئتم شيئاً فرياً(213)، فدونكها مرحولة مخطومة مزمومة(214)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ما توعدون، (لِّكُلِّ نَبَإ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(215)، (مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)(216) ثمّ التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) متمثلةً بقول هند ابنة أثاثة:


قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(217)
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك لما غبت وانقلبوا
أبدت رجالٌ لنا فحوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب

وزاد في بعض الروايات هنا:


ضاقت عليَّ بلادي بعدما رحبت وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب

____________

213- في نسخة: يا بن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئاً فرياً.

214- الرحل للناقة كالسرج، والخطام كل ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.

215- سورة الأنعام: 67.

216 سورة الزمر: 40.

217- الهنبثة: الأُمور الشديدة والاختلاط في القول، والخطب الخطوب أي الأُمور العظيمة.



فليت قبلك كان الموت صادفنا قوم تمنّوا فأعطوا كلما طلبوا
تجهمتنا رجالٌ واستخفّ بنا مذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

قال: فما رأيت أكثر باكية وباك منه يومئذ، ثمّ عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشر البقية، ويا عماد الملة، وحصنة الإسلام، ما هذه الفترة في حقي والسنة عن ظلامتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يُحفظ في ولده، سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا أهالة، أتزعمون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب جليل، استوسع وهنه، واستهتر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، واكتأبت لخيرة الله، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال(218) وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة، فتلك نازلة أعلن بها في كتاب الله في قبلتكم ـ أفنيتكم ـ ممساكم ومصبحكم هتافاً هتافاً، ولقبله ما حلّت بأنبياء الله ورسله، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(219).

____________

218- أكدت الآمال: بخلت.

219- سورة آل عمران: 144.

 

إيهاً بني قيلة(220) أهضم تراث أبيه، وأنتم بمرأىء وبمسمع، تلبسكم الدعوة، ويشملكم الخبرة(221) وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن، وأنتم الأولى نخبة الله التي انتخبت، وخيرته التي اختار لنا أهل البيت، فباديتم العرب، وبادهتم الأُمور، وكافحتم البُهم، لا نبرح وتبرحون، نأمركم فتأتمرون حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب البلاد، وخبت نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حِرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، عن قوم (نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّة أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)(222).

ألا وقد أرى والله أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فمحجتم الذي أوعيتم، ولفظتم الذي سوغتم، فـ (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(223).

ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي

____________

220- بنو قيلة: الأوس والخزرج، لأنّ اسم أمهم قيلة بنت كاهل.

221- قال المجلسي عليه الرحمة: المراد بالدعوة: نداء المظلوم للنصرة، والخبرة علمهم بمظلوميتها (عليها السلام).

222- سورة التوبة: 12 ـ 13.

223- سورة إبراهيم: 8.

 

خامرتكم، وخور القناة(224) وضعف اليقين، ولكنه فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقوبها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بـ (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ)(225)، فبعين الله ما تفعلون،(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(226) وأنا بنت نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.

قال الأربلي: هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة، وكانت النسخة مع قدمها مغلوطة فحققها من مواضع أُخر.(227)

____________

224- خامرتكم: أي خالطتكم، والخور: الضعف. قال المجلسي عليه الرحمة: لعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الشره وكتمان الضر.

225- سورة الهمزة: 6 ـ 8.

226- سورة الشعراء: 227.

227- كشف الغمّة، الأربلي: 1 / 479 ـ 492، عن كتاب السقيفة وفدك.

 

الرواية الثانية: خطبة فاطمة (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

برواية أبي بكر الجوهري (ت 323 هـ) وقد رواها عنه كل من العلامة الأربلي (ت 693 هـ) في كشف الغمّة، وابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في شرح نهج البلاغة، ونحن هنا نوردها برواية ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبدالله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبدالله بن حسن بن حسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، قالت:

لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوجع وثقلت في علتها، اجتمع عندها نساءٌ من نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قالت: والله أصبحت عائفة(228) لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم(229)، وشنئتهم(230) بعد أن سبرتهم(231)، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبِئسما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّهُ عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم، قد قلدتهم ربقتها، وشنت

____________

228- عائفة لدنياكم: أي قالية لها كارهة.

229- عجمتهم: بلوتهم وخبرتهم.

230- شنئتهم: أبغضتهم.

231- سبرتهم: علمت أُمورهم.

 

عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين.

ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيّبين(232) بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخُسرانُ المُبينُ.

وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله، وتالله لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عتلقه، ولسار إليهم سيراً سجحاً، لاتكلم حشاشته(233)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميراً فضفاضاً، يطفح ضفّتاه، ولأصدرهم بطاناً، قد تحيّر بهم الرأي، غير متحلّ بطائل، إلاّ بغمر الناهل، وردعة سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث الى أي لجأ استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(234)ولبئس للظالمين بدلا.

استبدلوا، والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ

____________

232- في كشف الغمة: والضنين بأمر الدنيا والدين.

233- في كشف الغمة: لا يكلم خشاشه.

234- سورة الحج: 13.

 

وَلَـكِن لاَ يَشْعُرُونَ)(235).

ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(236).

أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غِبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً، واطمانوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل(237) واستبداد من الظالمين، يدع فيكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة عليكم وأنى لكم، وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(238).

والحمد لله ربّ العالمين، وصلاته على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).(239)

____________

235- سورة البقرة: 12.

236- سورة يونس: 35.

237- الهرج: من معانيه القتل. اللسان. وهو المراد هنا.

238- سورة هود: 28.

239- السقيفة وفدك، الجوهري: 117 ـ 118، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 233 ـ 234، كشف الغمّة، الأربلي: 1 / 492 ـ 494.

 

3 ـ برواية الوزير الكاتب أبو سعد منصور بن الحسين الآبي
(ت 421 هـ) في كتابه نثر الدر.

الاُولى: خطبتها في المهاجرين والأنصار

وقد رواها عنه أيضاً العلامة شمس الدين محمد الباعوني الشافعي (ت 871 هـ) في كتابه جواهر المطالب: 1 / 155 ـ 169.

قال الآبي:

قالوا: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خِمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم(240) مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس، ثمّ أمهلت هُنيئة(241) حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ قالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ

____________

240- ما تخرم مشيتها: ما تنقص عنها.

241- هنيئة: بمعنى هنيهة، تصغير هنة، وهي القياس في التصغير: اللسان. هنو.

 

مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(242) فإنْ تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم، وأخا ابن عمي(243) دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعاً بالنَّذارة، بالغاً بالرسالة، مائلا عن سنن المشركين، ضارباً لثبجهم(244)، يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذاً بأكظام(245) المشركين، يُهشِّم الأصنام، ويفلق الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتى تفرَّى(246) الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه(247)، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق(248) الشيطان، وتمّت كلمة الإخلاص، (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ)(249)، نهزة(250)الطامع، ومذقة الشارب(251)،وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق(252)، وتقتاتون القِدّ، أذلة خاسئين، يخطفكم الناس من

____________

242- سورة التوبة: 128.

243- إشارة إلى مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام).

244- الثبج: الوسط. اللسان.

245- الأكظام: جمع كظم، وهو مخرج النفس. اللسان.

246- تفرى: تشقق. اللسان.

247- المحض: الخالص. اللسان.

248- الشقاشق جمع شقشقة، شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه إذا هاج ويروى وتمت كلمة الإخلاص.

249- سورة آل عمران: 103.

250- نهزة الطامع: اسم للشيء المعرض لك كالغنيمة. اللسان.

251- المذقة: الشربة من اللبن المخلوط بالماء. اللسان، وفي القول تشبيه.

252- الطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل. اللسان.

 

حولكم، حتى أنقذكم الله برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)(253)، أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة للمشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها(254)بأخمصه، ويطفيء عادية لهبها بسيفه ـ أو قالت ـ ويُخمد لهيبها بحده مكدوداً في ذات الله، وأنتم في رفاهة فكهون آمنون وادعون.

حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، ظهرت حسكة النفاق، وسمل(255) جلباب الدين، ونطق كاظم(256) الغاوين، ونبغ خامل الأفلين، وهدر فنيق(257) المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم(258)فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، أبماذا زعمتم(259) خوف

____________

253- سورة المائدة: 64.

254- الصماخ: فتحة الأذن الباطنية. اللسان، وفي القول استعارة.

255- سمل الجلباب: بلي ورث. اللسان.

256- الكاظم: المبطن للحقد. اللسان.

257- الفنيق: الجمل الفحل. اللسان.

258- أحمشكم: جعلكم تغضبون، ومن معانيها: ساقكم بغضب. اللسان.

259- في المصورة: أبماذا زعمتم، وفي المخطوطة: أنازعتم، والتصويب من بلاغات النساء: 18.

 

الفتنة؟ (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(260)، فهيهات فيكم، وأنى بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، زواجره بينة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون؟ (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)(261)، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(262) ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها، تشربون حسواً في ارتغاء(263)، ونصبر منكم على مثل حزِّ المدى، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(264).

إيهاً معشر المُسلمة المهاجرة، أأبتز إرث أبيه؟ أبى الله في الكتاب يا بن قحافة، أن ترث أباك ولا أرث أبيه، لقد جئت شيئا فرياً(265)، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر

____________

260- سورة التوبة: 49.

261- سورة الكهف: 50.

262- سورة آل عمران: 85.

263 مثل يضرب لمن يظهر أمراً ويبطن غيره. اللسان.

264- سورة المائدة: 50.

265- الفري: العمل الذي لم يسبق إليه. اللسان.

 

المبطلون، و (لِّكُلِّ نَبَأ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(266).

ثمّ انكفأت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت (عليها السلام):


قد كان بعدك أنباء وهنبثة(267) لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلَّ أهلك فاحضرهم ولا تغب

وذُكر أنّها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت:

يا معشر الفئة، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام ; ما هذه الفترة في حقي؟(268) والسنة في ظلامتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يُحفظ في ولده؟ لسرع(269) ما أحدثتم! وعجلان ذا إهالة(270)، أتقولون: مات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر(271) فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت

____________

266- سورة الأنعام: 67.

267- الهنبثة: الاختلاط في الكلام. اللسان.

268- في بلاغات النساء: 21 ما هذه الغميزة في حقّي، وفي نهج البلاغة: ما هذه الغمزة في حقّي.

269- لسرع: ما أسرع. اللسان.

270- الإهالة: الشحم والزيت، وهو مثل يضرب للشيء يأتي قبل أوانه.

271- استنهر: اتسع، تشبيهاً له بجريان النهر وتمكنه. اللسان.

 

الجبال، وأكدت الأمال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتلك نازلة علن بها كتاب الله في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم، تهتف في أسماعكم، ولقبله ما حلّت بأنبياء الله ورسله صلّى الله عليهم، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(272).

إيهاً بني قيلة(273) أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأى ومسمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار وعندكم الجُنن(274)، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل الإسلام، والخيرة التي اختار الله لنا أهل البيت، فنابذتم العرب، وناهضتم الاُمم، وكافحتم البُهم، لا نبرح نأمركم فتأتمرون، حتى دارت لكم بنى رحا الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت نعرة الشرك، وباخت نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج(275)، واستوسق(276) نظام الدين، فأنّى حِرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، وأسررتم بعد التبيان، لقوم نكثوا أيمانهم، (أَتَخْشَوْنَهُمْ

____________

272- سورة آل عمران: 144.

273- قيلة: هي قيلة بنت كاهل، اُمّ الأوس والخزرج. اللسان: قيل.

274- الجنن: جمع جنة، وهي الدرع. (القاموس).

275- الهرج: الفتنة. اللسان.

276- استوسق نظام الدين: اجتمع وتضام. اللسان. والمراد: قوي.

فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)(277).

 

ألا قد أرى أن أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فعجتم عن الدين، ومججتم الذي وعيتم، ولفظتم الذي سوغتم(278)، (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(279).

ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم، واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقوبها مدبرة(280) الظهر، ناقبة الخف(281)، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(282) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.

____________

277- سورة التوبة: 13.

278- أعطيتم.

279- سورة إبراهيم: 8.

280- مدبرة الظهر: بها دبرة في ظهرها، أي قرحة. اللسان.

281- نقب الخف: رق. اللسان.

282- سورة الشعراء: 227.

 

الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

 

قالوا: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) دخل النساء عليها وقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم، وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخطل الرأي، و (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)(283)، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها(284)، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم، أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطبن(285) بأمر الدنيا والدين، (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(286)، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره فى ذات الله، وتالله لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً،(287) لا يُكلم خِشاشه(288)، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا روياً

____________

283- سورة المائدة: 80، وفي المصورة: وبئس.

284- في المصورة: شنت عليهم عارها.

285- الطبن: العالم الفطن. اللسان.

286- سورة الزمر: 15، وفي المصورة: والطبين، بدون نقط.

287- سجحاً: سيراً سهلا ليناً. اللسان.

288- الخشاش: الجانب. القاموس.

 

فضفاضاً، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، وقد تحيّز(289) بهم الري، غير مستحلّ(290) منهم بطائل، إلاّ بغمر(291) الناهل، أو دَعة سورة الساغب(292)، ولفتحت عليهم بركات من السماء، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلمَّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب لحادث إلى أي ملجأ لجأوا واستندوا(293)؟ وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(294)، ولبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَ يَشْعُرُونَ)(295).

ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(296).

أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا

____________

289- التحيّز: سوق الإبل برفق. اللسان. والمراد: سار بهم في هوادة إلى منهلهم.

290- المصورة: منحل.

291- المصورة: تغمز.

292- في بلاغات النساء: 24: أورد عنه سورة الساغب، والمراد: تسكين حدة السغب.

293- في المصورة: وأسندوا.

294- سورة الحج: 13.

295- سورة البقرة: 12.

296- سورة يونس: 35.

 

طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقراً، فهنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وبهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة بكم، وقد عُميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(297).(298)

____________

297- سورة هود: 28.

298- نثر الدر: 4 / 8 ـ 15، أعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.

 

4 ـ خطبة فاطمة (عليها السلام) برواية الخوارزمي
(ت 568 هـ)، في مقتل الحسين (عليه السلام)

وقد ذكر منها قسماً، قال:

وبهذا الإسناد، عن الحافظ أبي بكر هذا، أخبرنا عبدالله بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) أن أبا بكر أظهر منعها فدكاً لاثت خِمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكنت فورتهم، افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه، ثمّ قالت: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(299) فإنْ تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلَّغ الرسالة صادعاً بالنَّذارة، مائلا عن سنن المشركين، ضارباً لحدتهم، يجذ الأصنام،

____________

299- سورة التوبة: 128.

 

وينكث الهام ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى تفرَّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمّت كلمة الإخلاص، (وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ)(300)، نهزة الطامع، ومذقة الشارب،وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القِدّ، أذلة خاسئين، حتى استنقذكم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحربِ، وفغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفيء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفيء عادية لهبها بسيفه، وأنتم في رفاهية آمنون وادعون حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، إنما زعمتم خوف الفتنة؟ (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(301)، ثم لم تلبثوا حيث تسرون حسواً في ارتغاء، ونصبر منكم على مثل حزِّ المدى، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحُكم الجاهليَّة تبغون (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم

____________

300- سورة آل عمران: 103.

301- سورة التوبة: 49.

 

يُوقِنُونَ)(302).

يا معشر المسلمين أأبتز إرث أبي؟ أبى الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فرياً، فدونكها مرحولة مخطومة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، (وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)(303). ثمّ انكفأت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول:


قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلَّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا(304)

____________

302- سورة المائدة: 50.

303- سورة الجاثية: 27.

304- مقتل الحسين (عليه السلام)، الخوارزمي: 121 ـ 123 ح 59.

 

5 ـ برواية أبي السعادات المبارك بن محمد
ابن الأثير (ت 606 هـ)

الرواية الاُولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار.

قال ابن الأثير: قالت زينب بنت عليّ بن أبي طالب: لما بلغ فاطمةَ (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها حقَّها من فدك، لاثَتْ خِمارها، وأقبلت في لُمَّة من حَفَدتِها ونساءِ قومِها، تطأُ ذُيولَها، لا تَخْرِمُ مِشيةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فلُطَّتْ(305) دُونها مُلاءةٌ، ثمّ أنَّت أنَّة أجهشَ لها القومُ بالبكاء والنَّحيب، ثمّ أمهلتْ حتى إذا هدأتْ فَورتُهم، وسكنت روعتُهم، افتتحت الكلامَ بالحمد للهِ، والثَّناءِ عليه، والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في كلام طويل من الثَّناءِ والتحميد.

ثمّ قالت (عليها السلام): أنا فاطمةُ، وأبي محمدٌ، أقولها عَوْداً على بَدْء، ما أقولُ سَرفاً ولا شَطَطاً. (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(306) وإن تَعْزُوه تَجِدُوه أبي دون نِسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولِنعم المَعْزِيُّ

____________

305- بحاشية الأصل: فنيطت.

306- سورة التوبة: 128.

 

إليه (صلى الله عليه وآله وسلم). فبلغ النَّذارةَ، صادِعاً بالرِّسالة، ناكِباً عن سننِ المشركين، ضارباً لأثْباجِهم، آخذاً بأكْظامِهم، داعياً إلى سبيل رَبِّه بالحكمة والموعظةِ الحسنة، يفُضُّ الهامَ، وَيَجُذُّ الأصنامَ، حتى انهزم الجمعُ وولَّوا الدُّبُر، وحتى تَفَرَّى الليلُ عن صُبْحِه، وأسْفَر الحقُّ عن مَحْضهِ، ونَطق زعيمُ الدِّين، وخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطين، وفُهْتُم بكلمة الإخلاص، وكنتم على شفَا حُفرة من النارِ، مَذْقَةَ الشَّارب، ونُهْرةَ الطامع، وقَبْسَةَ العَجْلان، ومَوْطِيء الأقدام.

تَشْربُون الطَّرْقَ(307)، وتَقْتاتُون القَدَّ، أذِلَّةً خاشعين، يَتخطَّفكم الناسُ مِن حولِكم، فأنقذكم اللهُ بنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد اللَّتيَّا والَّتي، وبَعْدَ مَا مُنيَ بِبُهَمِ الرِّجال، وذُؤْبانِ العرب، ومردة أهل الكتاب.

(كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)(308)، أو نَجَم قَرْنٌ للظَّلالة، أو فغَرَتْ فاغرةٌ للمشركين، قذف أخاه عليّاً في لَهَواتِها(309)، فلا ينكفىءُ حتى يطأُ ضِماخها بأخْمَصهِ، ويُخْمِدَ لهبَها بحدِّه، مَكْظُوظاً(310) في طاعةِ الله وطاعةِ رسولهِ، مُشَمِّراً، ناصِحاً، مُجِدّاً، كادِحاً، وأنتم في بُلَهْنِية وادِعُون، وفي رَفاهية فَكِهُون، تأكلُونَ العَفْوَ،

____________

307- بحاشية الأصل: "الرَّنْق". وستأتي في الشرح.

308- سورة المائدة: 64، وبحاشية الأصل: "حَشُّوا" رواية في "أوقدوا"، وستأتي في الشرح.

309- بحاشية الأصل: "هُوَّاتها". وستأتي في الشرح.

310- بحاشية الأصل: "مكدوداً في ذات الله". وستأتي في الشرح أيضاً.

 

وتشرَبُونَ الصَّفوَ، تَتَوكَّفُون الأخبارَ، وتَنْكِصُون عندَ النِّزال.

فلمّا اختار الله لنبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دارَ أنبيائه، وَمَحلَّ أصْفيائهِ، ظَهَرتْ حَسِيكةُ النِّفاق، وانْسَمَل(311) جِلْبابُ الدِّين، وأَخْلَق عَهْدُه، وانْتَقَصَ عَقْدُه، ونَطَق كاظِمٌ، ونَبَغ خامِلٌ، وهَدَر فَنِيقُ الباطِل ; يَخْطِرُ في عَرصَاتِكم، وأطْلَعَ الشَّيْطانُ رأسَه مِن مَغْرِزِه، صارِخاً بكم، فأَلفاكم لدعوتِه مُصِيخين(312)، وللغِرَّةِ مُلاحظِين، واستَنْهَضكُم فوَجَدَكم خِفافاً، وأحْمَشَكُم فألْفاكم غِضاباً، فَخَطَمْتُمْ(313) غير إبِلكم، وأورَدْتُموها غيرَ شِرْبِكم، بداراً زعمْتُم خوفَ الفِتنة. (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(314).

هذا، والعَهْدُ قريبٌ، والكَلْمُ رَحِيبٌ، والجُرْحُ لَمَّا يَنْدمِلْ، والرَّسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمَّا يُقْبَرْ.

هَيْهاتَ منكم، وأينَ بكم، وأنَّى تُؤْفَكُون؟ وكتابُ اللهِ بينَ أظْهُرِكم، زواجِرهُ قاهرةٌ، وأوامِرهُ لائحةٌ، وأدِلَّتُه واضِحةٌ، وأعلامُه بَيِّنةٌ، أرَغْبَةً ـ وَيْحَكُم ـ عنه؟ (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)(315).

____________

311- بخاشية الأصل: "وأسمل".

312- بحاشية الأصل: "مستجيبين".

313- بحاشية الأصل: "فوسمتم".

314- سورة التوبة: 49.

315- سورة الكهف: 50.

 

ثم لم تَرِيثُوا بعدَ اجتهاد، إلاّ رَيْثَما سَكَنْ نَفْرَتُها، وأسْلَس قِيادُها.

تُسِرُّون حَسْواً فِي ارْتِغاء، ونحن نَصْبرُ منكم على مِثْلِ وَخْزِ(316)المُدَى، وأنتم الآن تزعُمون أنْ لاَ إرْثَ لَنا، ولا حَظَّ. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(317).

وَيْهاً(318) مَعْشَرَ المُسْلِمة، أأُبْتَزُّ إرْثِيَهْ؟ أفي كِتابِ(319) اللهِ أن تَرِثَ أباكَ ولا أرِثَ أبِيَهْ، لقد جئت شيئاً فريّاً(320).

جُرْأةٌ مِنكم على قطيعةِ الرَّحِم، ونَكْثِ العهْدِ، فعَلَى عَمْد ما تركتم كتاب الله بين أظْهُرِكم ونَبذْتُموه.

فدُونَكَها مَرْحُولَةً مزمومة(321)، تكون معك في قَبْرِكَ، وتلْقاك يومَ حَشْرِك، فنِعْم الحَكَمُ اللهُ، ونِعم الزعيمُ محمدٌ، والمَوْعِدُ القيامةُ، وعند الساعةِ ما يَخْسَرُ المْبْطِلُون، و (لِّكُلِّ نَبَإ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ

____________

316- بحاشية الأصل: "حز".

317- سورة المائدة: 50، و(تبغون) كما جاء في الأصل، بالتاء الفوقية، وهي قراءة ابن عامر. راجع الكشف عن وجوه القراءات: 1 / 411.

318- بحاشية الأصل: "إيهاً".

319- بحاشية الأصل: "حكم".

320- أنظر: الآية 27 من سورة مريم.

321- بحاشية الأصل: "مخطومة".

 

تَعْلَمُونَ)(322).

ثم عدلَتْ إلى مجلس الأنصار، فقالت: يا مَعْشَرَ الفِئَةِ(323)، وأعْضادَ المِلَّة، وحَضَنَةَ الإسلامِ ; ما هذه الغَمِيزَةُ في حقي؟ والسنِّةُ عن ظُلامَتِي؟ أما كان رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): "المرءُ أن يُحْفَظُ في وَلَدِه"؟ لَسرعانَ ما أحْدَثْتُم! وعَجْلانَ ذا إهالةً!

أتقولون: مات محمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لَعَمْرِي، خَطْبٌ جليلٌ، اسْتَوْسَعَ وَهْيُه، واسْتَنْهَرُ فَتْقُه، وفُقِد راتِقُه، وأظْلَمت الأرضُ لغَيْبَتِه، واكْتَأبَتْ خِيرَةُ الله لُمصِيبته، وخشَعَت الجِبالُ، وأكْدَت الآمالُ، وأُضِيعَ الحَرِيمُ، وأذِيلَت الحُرْمةُ، فتلك نازِلةٌ عَلَن بها كِتابُ اللهُ في أفْنِيتكم، مُمْساكُم ومُصْبَحكُم، هِتافاً هِتافاً. (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(324).

إيهاً بني قَيْلَةَ! أَأُهْتَضَمُ تُراثَ أبي وأنتم بمَرْأىً منِّي ومَسْمَع؟ تشمَلُكم الدَّعوةُ، ويَنالُكم الخَبَرُ، وفيكم العَدَدُ والعُدَّةُ، ولكم الدارُ،

____________

322- سورة الأنعام: 67.

323- بحاشية الأصل: "التقيّة". وعلى هذه الرواية اقتصر المصنّف في الشرح. و "الفئة" الفرقة والجماعة من الناس، في الأصل. وهو من فأيت رأسه وفأوته: إذا شققته. النهاية 3 / 406.

324- سورة آل عمران: 144.



وعندكمُ الجُنَنُ، وأنتم نُخْبةُ اللهِ التي انْتَخَب لدينهِ، وأنصارُ رسُولهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخِيرَتُه التي انْتَجَب لنا أهل البيت، فنابَذْتُم فِينَا صَمِيمَ العَرَب، وناهَضْتُم الأُمم، وكافَحْتُم البُهمَ، لا نَبْرَحُ ولا تَبْرَحُون، ونأمُرُكم فتَأْتَمِرُونَ، حتى دارَتْ لكم بِنا رَحَى الإسلام، ودَرَّ حَلَبُ الأيَّام، وخَضَعتْ نَخْوةُ الشِّرْك، وباخَتْ نِيرانُ الحرْب، وهَدأتْ رَوْعَةُ الهَرْج، واسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّين.

فأنَّى جُرْتُم بعد البَيان، ونَكَصْتُم بعدَ الإقْدام، عن قوم نكثُوا أيمانَهم، (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)(325).

ألا قد أرَى ـ واللهِ ـ أنْ أخْلدتُم إلى الخَفض، ورَكَنْتُم(326) إلى الدَّعةِ، وعُجْتُم عن الدِّين، ومَجَجْتُم الذي عَرفْتُم، ولَفَظْتُم(327) الذي سُوِّغْتُم، فـ (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(328).

ألا وقد قُلْتُ الذي قلتُ ; على معرفة بالخِذْلة التي خامَرتْكم، ولكنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، ومُنْيةُ الغَيْظِ، وَنَفْثَةُ الصَّدْرِ، ومَعْذِرةُ الحُجَّة، فدُونكم فاحْتَقِبوها مُدْبِرةَ الظَّهْرِ، مَهِيضَةَ العَظْمِ، خَوْراءَ القَناةِ، ناقَبة

____________

325- سورة التوبة: 13.

326- بحاشية الأصل: "وخُلبْتم بالدعة".

327- بحاشية الأصل: "ودسعتم".

328- سورة إبراهيم: 8.

 

الخُفِّ، باقيةَ العارِ، موصولةً بشَنارِ الأُبد، متَّصلةً بنارِ الله، فبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعلُون، واعْمَلُوا إنا عامِلون، وانْتظِرُوا إنَّا مُنْتَظِرُون، وأنا ابْنةُ نَذير لكم بين يَدَيْ عذاب شَديد، (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ)(329)(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(330)

ثمّ انْكَفأتْ إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، متمثلةً بقول صفيَّة بنت عبد المطلب، وقيل: أُمامة:


قد كان بَعْدَك أنباءٌ وهَنْبَثَةٌ لو كُنت شاهِدها لم تكثُرِ الخطَبُ(331)
إنَّا فَقَدْناكَ فَقْدَ الأرضِ وابِلَها وغَاب مذ غِبْتَ عنّا الوَحْيُ والكُتُبُ(332)
تَهَضَّمَتْنا رجالٌ واستُخِفَّ بِنا إذ بِنْت عنَّا فنحن اليوم نُغْتَصَبُ
أبْدَتْ رِجالٌ لَنا فَحْوَى صُدُورِهمُ لمَّا فُقِدْت وحالَتْ دُونَك الكُثُبُ

____________

329- سورة هود: 55.

330- سورة الشعراء: 227.

331- الهنبثة: الأُمور الشديدة والاختلاط في القول، والخطب الخطوب أي الأُمور العظيمة.

332- بحاشية الأصل: "واختل قومك لمّا غِبتَ وانقلبوا".

 

قال: فما رأينا يوماً أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم.

* * *

هذا الحديث أكثر ما يُروى من طريق أهل البيت، وإن كان قد رُوي من طُرق أُخرى، أطول من هذا وأكثر.(333)

ألفاظ الخطبة التي شرحها ابن الأثير

الزَّهراءُ: تأنيثْ الأَزْهر، وهو النَّيِّرُ المُشْرِقُ من الألوان، وأراد به إشراقَ نُور إيمانها، وإضاءتَه على إيمان غيرها.

ولاثَت المرأةُ خِمارها: إذ لَوتْه على وَجْهِها من النِّساء، ما بين الثلاثة إلى العَشَرة. قيل: أصلُها فُعْلَةٌ، من المُلاءمة، وهي الموافَقةُ والاجتماع.

قال الجوهريُّ: الهاء عِوَضٌ من الهمزة الذاهِبة من وسَطِها.

والحَفَدَةُ: الأتْباعُ والخَوَلُ، جَمْع حافِد وحافِدة، سُمُّا به مِن الحَفْدِ: الإِسراعِ في الخِدمة والعَملِ. يُقال: حَفَدْتُ وأحفَدْتُ.

ووَطْؤُ الذَّيل في المشي: من آثارِ الحياءِ والخَفَر، وكان ذلك من عادةِ نساء العرب.

وقولُها: "لا تَخْرِمُ مِشيْةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)" أي لا تَتْرُك ولا

____________

333- منال الطالب في شرح طوال الغرائب، ابن الأثير: 501 ـ 507.

 

تُخالِف، وكانت مِشْيتُها تُشبْه مِشْيتَه.

والحَشْدُ، بسكون الشِّين: الجَمْع، واحتشَدَ القومُ: إذا تَجمَّعُوا.

ولُطَّتْ: أي مُدَّتْ وسُتِرتْ، يقال: لَطَّ الحقَّ بالباطِل: إذا سَتَره به.

ويُروى: "نِيطَتْ" أي عُلِّقتْ، يقال: ناطَ به كذا يَنُوطُه نَوْطاً: إذا عَلَّقه.

والمُلاءَةُ: الإِزارُ.

والأنينُ: صوتُ المتوجِّع الشَّاكي.

وأجْهََ بالبكاء: إذا تهيَّأ له، يقال: جَهشْتُ، وأجْهَشْتُ، وأصلُه أن يفزعَ الإِنسانُ، ويلجأَ إلى غيرِه، وهو مع ذلك يريد البكاء، كما يفزَعُ الصبيُّ إلى أُمِّه من شيء يخافه.

والنَّحِيبُ: الصوتُ فى البكاء.

وفَوْرةُ الشيء: أَوَّلُه، وحِدَّتُه، ومنه فوران القِدْرِ، وغليانْها.

والرَّوعَةُ: المَرَّةُ من الرّوعِ: الفَزَع.

وقولُها: "عَوْداً على بَدْء" أي مرَّةً بعدَ مرَّة، وآخِراً بعدَ أوَّل.

والسَّرفُ: ضِدُّ القَصْدِ، والسَّرَفُ: الإِغفالُ والخطأُ.

والشَّطَطُ: البُعْدُ عن الحَقَّ، والجَوْرُ، والظُّلْم.

والعَنَتُ: الإِثْمُ، والوقوعُ في أمر شاق، وقد عَنِتَ هو، وأعْنَتَه غيرُه.

 

وعَزَوْتُ الشيءَ أعْزِيه، وأَعْزُوه، فهو مَعْزِيٌّ وَمَعْزُوٌّ: إذا أسْنَدْتَه إلي غيرك. أي إن نَسبْتُم رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) إلى أحد من النِّساء والرِّجال، فأنا وعليٌّ (ع) ابن عمّي أقربُ إليه من نِسائكم ورِجالكم.

والنِّذارةُ: الإِنذارُ، يقال: أنْذَر يُنْذِرُ إنذاراً، ونِذارةً: إذا أعْلَمَ بالأمر. والإِنذارُ أيضاً: التَّخويفُ.

والصَّدْعُ فى الأصل: الشَّقُّ. وصادِعاً بالرسالة: أي مُبَلِّغاً لَها، على أكْمل وَجْه، وأتمِّ قَضِيَّة، ومنه قوله تعالى: (فَاصدَعْ بما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ)(334).

والنَّاكِبُ: العادِلُ عن الشيءِ.

والسَّنَنُ: الطريقُ الواضحُ.

والأَثْباجُ: جَمْع ثَبَج، وهو الوسَطُ، وما بينَ الكتفَيْن مِن الظَّهْر.

والأَكْظامُ: جمع كَظَم، بالتَّحريك، وهو مَخْرجُ النَّفَسِ مِن الحَلْق.

والفَضُّ الكَسْرُ، والفَتْحُ.

والهامُ: الرُّؤوسُ، جمع هامة.

والجَذُّ: القَطْعُ والاستئصال، والكَسْرُ.

والجَمْعُ: الجَيْشُ.

وتَوْلِيةُ الدُّبُرِ: الانهِزامُ.

____________

334- سورة الحجر: 94.

 

وتَفَرَّى اللّيلُ عن صُبْحِه: أي انكشَفَ، وانْشَقَّ، يقال: فَرْيتُ الشيءَ: إذا شَققْتَه للإِصلاحِ، وأفْريْتُه: إذا شقَقْتَه للإِفْسادِ.

والمَحْضُ: الخالِصُ.

والإِسْفارُ: الإِضاءةُ، والظُّهُوُر، ومنه إسْفارُ الصُّبْح.

وزَعيمُ القوم: رئيسُهم، ومُقَدَّمُهم.

وشقاشِقُ الشيَّاطين: ما يتكلِّمون به، وأصلُه مِن الشِّقْشِقَةِ التي يُخْرِجُها الجَمَلُ مِن جَوْفِه، وهي جِلْدةٌ حمراءُ يَنْفُخُ فيها، وتَظْهَرُ مِن شِدْقِه، فشَبَّه بها الكلامَ، لخُروجِه مِن الفَم.

وفاه بالقولِ يَفُوه به، وتَفوَّه: إذا تكلَّم، وهي مبنّيةٌ من لفظِ الفَمِ.

وكلمةُ الإِخلاص: شهادةُ أن لا إلهَ إلاّ الله.

وشَفَا كلِّ شيء: حَرْفُه، وجانِبُه.

والمَذْقَةُ: الشَّرْبةُ اليَسيرةُ، مِن اللَّبن المَمْذُوق، وهو المَخْلوطُ بالماءِ.

والنُّهْزَةُ: الفُرصَةُ، وأَخْذُ الشيءِ مُبادَرَةً، وأصلُ النَّهْر: الدَّفْعُ.

والقَبْسَةُ: المَرَّةُ من اقتباس النارِ، وبالضَمِّ: الاسمُ، وهي الشُّعْلَةُ.

أي إنكم كنتم على حَرْف من الهلاكِ، المُوقِع فى النار، وكنتم مُمْمَلين، بمنزلة ما يأخذُه ذائقُ الَّلبنِ ليختبرَه، وكنتم فُرْصةً للطامع فيكم، وبمنزلة اقتباسِ المستعجلِ لأخْذِ الشُّعْلة من النار.

والطَّرْقُ: الماءُ الكَدِرُ الذى خاضَتْه الإِبلُ، وبالَتْ فيه، وبَعَرَتُ.

ويُروَى: "الرَّنْقُ"، وهو الماءُ الكَدِرُ، والرَّنَقُ، بالتحريك: المَصْدرُ، وقد رَنِقَ الماءُ يَرْنَقُ.

والاقْتِياتُ: أكْلُ القُوت.

والقدُّ بالفتح: الجِلْدُ غيرُ المَدْبُوغ، كانوا يأكلونه فى الجَدْبِ والمجاعة.

وقيل: هو جِلْدٌ السَّخْلةِ والماعِزةِ.

والقِدُّ، بالكسر: سَيْرٌ يُقْطَعُ من جِلْد غيرِ مَدْبُوغ.

والخُشُوعُ: الذُّلُّ، والخُضُوعُ.

والتَّخطُّفُ: الاستِلابُ، وأخْذُ الشيء بسُرْعة، وقد خَطِفَ الشىءَ يخْطَفُه، وخَطَفه يَخْطِفُه.

والإِنْقاذُ: الإِنْجاءُ، والتَّخْليصُ.

وبعدَ الَّلَتيَّا والَّتي: أي بعدَ الشَّدائِد، والأُمورِ العظيمة، وهي كلمةٌ تُقالُ في الأمرِ الصَّعْب المُسْتَبْعَد.

والَّلَتيَّا: تصغير الَّتِي، ولم يستعملوا معها الصِّلَةَ والعائدَ، ليُوهِمُوا أن الأمرَ بلَغَ مِن الشِّدَّةِ ما تَقْصُرُ عن وَصْفِه.

وتقديرُه: بعدَ الَّتي مِن شِدَّتها كَيْتَ وكَيْتَ.

ومُنِىَ الرجلُ بكذا: أي بُلِىَ به. يُقال: مَنَوْتُه ومَنَيْتُه: إذا ابْتلَيْتَه، وكأنّه من المَنَا: القَدَر، قال:

حتي تُلاقِىَ ما يَمْنِي لكَ المانِي.

أي ما يُقدِّر لك المُقَدِّر.

والبُهَمُ: جَمْعُ بُهْمة، بالضمّ، وهي مُشْكِلاتُ الأمورِ، فاستعارَتْها لشِدادِ الرِّجالِ.

وإن كانت الهاءُ ساكنةً، فهي جمعُ بَهِيم، وهو الذي لا يُخالِطُ لونَه لونٌ سِواه.

والذُّؤْبانُ: جَمْعُ ذِئْب. وتُريدُ به لُصُوصَ العَرب، وأشرارَهم.

والمَرَدَةُ: جمع مارِد، وهو الشَّيطانُ الدَّاهِي مِن الإِنسر والجِنِّ.

وأهلُ الكتابِ: اليهودُ والنَّصاري.

وحَشَّ النارَ يَحُشُّها: إذا أوْقَدَها.

ونَجَمَ القَرْنُ، والنَّبْتُ: إذا طَلَعا.

فاستعارَتْ طُلُوعَ القَرْنِ لمن يَخْرُجُ من الناسِ، يبتغي الفِتنةَ والشَّرَّ، ولذلك جعلَتْه للضَّلالة.

وفَغَر فاهُ يَفْغَرُه: إذا فَتَحه، وفَغَرتِ السِّنُّ: إذا طَلَعتْ، كأنه يَنْفَطِرُ، وَيْنفحُ للَّنبات. فاستعارتْه لظُهورِ أهلِ الشِّرك.

والقَذْفُ: الرَّمْيُ، والإِلقاءُ بقُوَّة.

واللَّهَوَاتُ: جَمْع لَهاة، وهي سَقْفُ أقْصَى الفَمِ، فاستعاَتْها لغايةِ الحَرْبِ، وشِدَّتِها.

ويُرْوَى: "في هُوَّاتِها"، جَمع هُوَّة، وهي الوَهْدَةُ، والحُفْرةُ، فاستعارتْتها للوَرْطة التي لا مَخْلَصَ مِنْها.

والانكفاءُ: الرُّجُوعُ.

والصِّماخ: الأُذُنُ، وقيل: ثَقْبُها، فكَنَتْ به عن الرأس، لأنّه منه.

والأَخْمَصُ: المَتَقعّر مِن أسْفَلِ القَدَمِ.

تُريدُ: كُلَّما ظَهَر صاحبُ ضَلالة، أو طَلَعَ للمشركينَ طالِعٌ، ألْقَى عليّاً فى نُحُورِهم، ووَرَطاتِهم، فلا يرجعُ حتَّى يطأَ رُؤوسَهم بقَدَمِه، ويُطفيءَ نِيرانَ حَرْبهم بسَيْفه.

والمَكْظوظُ: المُهْتَمُّ. وأصْلُ الكَظِّ: الاِمتلاءُ، والكَرْبُ، والثِّقْلُ.

ويُروَى: "مَكْدُوداً" وهو المُتْعَبُ، وقد كَدَّه يَكُدُّه كَدَّا.

وقولها: "في ذاتِ اللهِ" أي في جَنْبِ نُصْرةِ دِينِه، والوُقُوفِ عند حُكْمِه.

وقد اختلَفَ أهلُ العربيّة في إطلاقِ لَفْظةِ "الذَّاتِ" على اللهِ تعالى، فمَنَع منه أكثَرُهم، لأنَّ التاءَ فيها للتأنيث، وقد وردَت ْفي غير موضع من الحديثِ الصَّحيح، وذلك دليلُ جَوازها، ولا تكونُ التاءُ فيها للتأنيث، فقولهُم: "في ذاتِ اللهِ"، كما يُقالُ: ذاتُ زَيْد، أي نَفْسُه، وعينُه، ومنه شعرُ خُبَيْبِ الأنصاريّ:

وذلك فى ذاتِ الإِله وإن يَشَأْ يُبارِكْ علي أوصال شِلْو مُمَزَّع.

والمُجِدُّ: ضِدُّ الهازِل، يُقال: جَدَّ في الأمرِت وأجَدَّ، بمعنى.

والكَدْحُ: الاجتِهادُ في السَّعْيِ والعَمَلِ.

والبُلَهْنِيَةُ: الرَّاحةُ، وسَعَةُ العَيْشِ.

والوادِعُ: السَّاكِنُ، والدَّعَةُ منه، والهاءُ فيها عِوَضٌ من الواوِ المحذوفة.

والرَّفاهِيَةُ: التَّنعُّمُ، وطِيبُ العَيْشِ، وأصلُه الخِصْبُ.

والفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ، والفَكِهُ أيضاً: الأَشِرُ البَطِرُ، والفاكِهين: النّاعِمين.

والعَفْوُ: السَّهْلُ الهَنِيءُ.

والتَّوَكُّفُ: استِعلامُ الأخبارِ، وتوقُّعُها.

والنُّكُوصُ: الرُّجُوعُ إلى وراء.

والنِّزالُ: القِتالُ.

ودارُ الأنبياءِ: الدارُ الآخِرة، خُصُّ بِها لرَغْبتهم فى الذَّهاب إليها، ولأنَّهم أحَقُّ بِها.

والحَسِيكةُ: العَدواةُ، والحِقْدُ، يقال: هو حَسِكُ الصَّدْرِ، وحَسِيكُه.

والجِلْبابُ: الإِزارُ.

وأسْمَلَ الثَّوْبُ، وسَمَل، وانسَمَلَ: إذا أَخْلَقَ، وبَلِيَ.

وإِخْلاقُ العَهْدِ: كِنايةٌ عن ضَعْفِه، وإهمالِ العملِ به.

والكاظِمُ: المُمْسِكُ عن الكلامِ على غَيْظ.

ونَبَغَ الشيءُ: إذا طَلَع وظَهَر.

والخامِلُ: الوَضِيعُ، الذى لا يكاد يُعْرَفُ.

والفَنِيقُ: الفَحْلُ مِن الإِبل.

والهَديرُ: تَرْديدُ صَوْتِه فى حَنْجرتِه.

وخَطَر يَخْطِرُ: إذا تَبَخْتَر في مَشْيِه، مُعْجَباً بنفسِه.

والعَرَصاتُ: جمع عَرْصَة، وهي الفُسْحَةُ مِن الدارِ، لاِبناءَ فيها ومَغْرِزُ الرَّأسِ: مُنْتَهى العُنُقِ مِن أعلاه، كأنَّ رأسَه كان مُنْخَفِضاً فأَطْلَعَه.

والصُّراخُ: الصَّوتُ العالي.

والإِصاخَةُ: الاستماعُ.

والغِرَّةُ: الغَفْلةُ.

والمُلاحظَةُ: النَّظرُ بلِحَاظِ العَين، وهي مُؤْخِرُها، ولا تكون المُلاحَظَةُ إلاَّ مع تَرقُّب وتَوقُّع.

وأَحْمَشكُم، بالشين المعجمة: أي أغْضَبكم، يقال: أحْمَشْتُ الرجلَ، وحَمَّشْتُه، إحْماشاً، وتحميشاً.

والخَطْمُ: تَرْكُ الخِطامِ، وهو كالمِقْوَدِ في رأسِ البعير.

ويروى: "فوَسَمْتُم غيرَ إبِلِكم" مِن الوَسْمِ: الكَىِّ، أي أخذتم غير حَقَّكم، لأن الإنسانَ إنما يَخْطِمُ، أو يَسِمُ مِن الإبلِ ما هو مِلْكُه، ولذلك قالت: "وأورَدْتُموها غيرَ شِرْبِكم" أي جمعتم بينَ اغتصابِها وسَقْيها غيرَ مائِكم.

والكَلْمُ: الجُرْحُ.

والرَّجِيبُ: الواسِعُ.

وانْدِمالُ الجُرْحِ: بُرْؤْه وصَلاحُه.

وقولُها: "والرَّسولُ لَمَّا يُقْبَرْ" تقريبٌ لزَمنِ وفاتِه.

و"لَمَّا" حرف جَزْمِ، مثل "لم"، إلاَّ أنّ "لم" جوابُ "فَعَلَ" و"لَمَّا" جواب "قد فَعَلَ" فزادُوا "ما" بإزاء "قَدْ"، فتضمَّنت بذلك معنى التّوقُّعِ والانتظار.

والبِدارُ: السُّرْعة، والعَجَلَةُ، تُريد أنَّهم إنَّما عَقدُوا البَيْعةَ لأبي بكر، خوفاً مِن الفِتْنة، واختلافِ المسلمين في طلب الخِلافة.

وتُؤْفَكُون: بمعنى تُصْرَفُون، ويُذْهَبُ بكم.

والزَّواجِرُ: النَّواهِي.

ووَيْحٌ: كلمةُ رحمة، تُقَدَّمُ على الخِطاب، يُقال: وَيْحٌ له، ووَيْحاً له، ووَيْحَهُ.

وبِئْسَ: كلمةُ مُبالَغة فى الذَّمِّ، نَقِيصُ "نِعْمَ".

و"بَدَلا" منصوبٌ على التمييز.

والرَّيْثُ: الإِبْطاءُ، يقال: راثَ الأمرُ، يَرِيثُ، وتُضافُ إليها "ما" ليصحَّ وُقوعُ الفِعلِ بعدَها.

والمعنى: لم تَلْبَثُوا إلاَّ بقَدْرِ ما سَكَنَتْ نَفْرَةُ الحالِ الحاضِرةِ.

وأسْلَسَ قِيادُها: أي سَهُلَ أمرُها، وهانَ صَعْبُها.

وقولُها: "تُسِرُّونَ حَسوْاً في ارْتِغاء"، هذا مَثَلٌ قديمٌ(335)، ومعناه: تُظْهِرون خِلافَ ما تُضْمِرُون.

والارْتِغاءُ: شُرْبُ رُغْوَةِ(336) اللَّلَبنِ.

وأصلُه الرجلُ يُؤْتَى بالَّلَبنِ، فيُظْهِرُ أنه يُريدُ الرُّغْوةَ خاصَّةً، لا يُريدُ غيرَها، فيشرَبُها، وهو مع ذلك يَحْسُو مِن الَّلَبن سِرّاً.

والوَخْزُ: النَّخْسُ.

والحَزُّ: قَطْعُ الشيءِ من غير أن يَبِينَ.

والمُدَى: جَمْع مُدْية، وهي السِّكِّينُ.

والابْتغاء: الطَّلَبُ.

ووَيْهاً: كلمةٌ يقولُها المُغْرِي بالشيءِ، والمُنْكِرُ له، على القومِ المُخاطَبِين.

وإيهاً: كلمةُ تحريضِ، وحَثَّ، واستِزادة.

والمُسْلِمةُ، والمُهاجِرةُ: تُريدُ بهما الأُمَّةَ المسلمةَ، والطائفةَ المهاجرةَ.

والاِبتزازُ: السَّلْبُ، والأَخْذُ، يقال: بَزَّه ثَوبَه، وابتَزَّه.

والهاء فى "إرْثِيَهْ" و"أبِيَهْ" هاءُ السَّكْتِ والوقفِ، كقولِه تعالى:

____________

335- الأمثال لأبي عبيد. ص 65، ومجمع الأمثال 2 / 417 (باب الياء)، ولفظ المثل فيه: "يُسرّ حَسْواً في ارتغاء".

336- الراء مثلثة.

 

(مَا أَغْنَي عَنِّي مَالِيَهْ)(337).

والأمرُ الفَرِىُّ: العظيمُ.

والجُرْأةُ: الإِقدام على الأمرِ.

وقَطْعُ الرَّحِمِ: ضِدُّ وَصْلِها، وهو عُقوقُ الأهلِ والأقارِب، وتَرْكُ بِرِّهِم، والإِحسانِ إليهم.

ونَكْثُ العَهْدِ: نَقْضُه.

والعَمْدُ: القَصْدُ، وهو ضِدُّ الخطأ.

والنَّبذُ: الرَّمْيُت والإلْقاءُ.

والهاء فى "فدُونَكَها" راجعةٌ إلى الحالةِ، والقَضِيَّةِ الموجودةِ.

والمَرْحُولَةُ المَخْطُومةُ: النَّاقةُ التي شُدَّ عليها رَحْلُها، وعُمِلَ في رأسِها خِطامُها، فهي مُعَدَّةٌ للرُّكُوب، والقَوَدِ.

والمَزْمُومةُ: التي جُعِل في رأسِها زِمامُها.

والزَّعيمُ،ها هنا: الكَفِيلُ، الضَّامِن.

وقولُها للأنصارِ: "يا مَعْشَرَ التَّقِيَّة" أي يا أهلَ التَّقْوَى، أو الاتِّقاء، الذين يُدْفَعُ الجَوْرُ بِكم.

وأعْضادُ المِلَّةِ: أنصارُها، وحُماتُها.

وحَضَنَةُ الإسلامِ: حافِظُوه، ورابُّوه، جَمْعُ حاضِين، وهو كافِلُ

____________

337- سورة الحاقة: 28.

 

الطِّفْلِ، كأنَّهم جَعلُوا الإِسلامَ فى حِضْنِهم.

والغَمِيزَةُ: العَيْبُ، والتُّهمةُ، مِن الغَمْزِ: العَيبِ، يقال: ليس فى فُلان غَمِيزةٌ، ومَغْمَزٌ، أي مَطْعَنٌ، ومَعابٌ.

والسِّنَةُ: أوَّلُ النَّومِ، وهي مِن الوَسَنِ، والهاءُ عِوَضٌ من الواو. أي ما هذا النَّومُ، والإِغْضاءُ عن كَشْفِ ظُلامَتِي؟

والسَّرْعانُ: بمعنى سَرُعَ، يقال: سَرْعانَ ذا خُرُوجاً، بالفتح والضَّمِّ والكَسْرِ.

قال الجوهريُّ: نُقِلتْ فَتْحةُ العَيْنِ إلى النُّون، لأنه معدولٌ مِن سَرُعَ، فبُنِىَ عليه. ولَسَرْعانَ ما صَنَعْتَ كذا: أي ما أسْرَعَ! ويقال: سَرْعَ ما صَنَعْتَ كذا، أراد: سَرُعَ، فخَفَّف(338)، وقد رُوِيَ كذلك.

والمعنى: ما أَسْرَعَ مُخالَفَتَكم ما كان عليه رسولُ الله (صلى الله عليه وآله)! وقولُها: "عَجْلانَ ذا إهالة"(339) عَجْلان: مِن عَجِل: كسَرْعان: مِن سَرْعَ.

____________

338- المراد بالتخفيف هنا التسكين، وهو يقال فى مقابلة التثقيل، الذي يراد به تحريك الحرف بأحد الحركات الثلاث.

339- فى مجمع الأمثال 1 / 336: "سرعان ذا إهالة". وقال الميداني: "وأصل المثل أن رجلا كانت له نعجة عجفاء، وكان رغامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا الذي يسيل؟ فقال. ودكها، فقال السائل: سرعان ذا إهالةً، نصب "إهالة" على الحال، و"ذا": إشارة إلى الرغام، أي سرع هذا الرغام حال كونه إهالة، ويجوز أن يحمل على التمييز، على تقدير نقل الفعل، مثل قولهم: تصبب زيد عرقا". وانظر جمهرة الأمثال 1 / 519.

 

والإِهالَةُ: الدُّهْنُ، والوَدَكُ الجامِدُ.

والخَطْبُ: الشَّأْنُ، والحالُ.

والوَهْيُ: الخَرْقُ، وقد وَهَي الشَّيءُ يَهِي: إذا هَلَك، أو كادَ.

واسْتَنْهَر فَتْقُه: أي اتَّسَعَ، فصارَ كالنَّهْرِ، مَجْرَى الماءِ.

والرَّاتِقُ: السَّادُّ، ضِدُّ الفاتِق.

واكْتأبَتْ: اي صارَتْ كئيبةً حَزِينةً، يُقال: كَئِبَ، واكْتأْبَ.

والإكْداءُ: الخَيْبةُ، أصلُه مِن حافِرِ البِئرِ، يَنْتِهي إلى كُدْية مِن الأرضِ، وهي القِطْعةُ الصُّلْبةُ، فلا يُمْكِنُه الحَفْرُ، فيتركه، يقال: أكْدَي الحافِرُ: إذا بَلَغَ الكُدْيَةَ.

والحَرِيمُ: الأهلُ، والنِّساءُ.

والإِذالَةُ: الإِهانةُ، والإِذلالُ.

وقولُها: "عَلَنَ بها كِتابُ اللهِ" هكذا رُوِىَ، فإن صَحَّ فهو مِن عَلَنَ الأمرُ، يَعْلُنُ عُلُوناً: إذا ظَهَر: وعَلِنَ يَعْلَنُ عَلَناً، وأعلَنْتهُ أنا: إذا أظهرتُه.

والهِتافُ، بالكسر: الصِّياحُ، وتكرارُه للتأكيد.

ومُمْساكُم ومُصْبَحُكم: مصدرٌ، أي تَروْنَه عندَ المساءِ والصَّباح.

وبنو قَيْلَةَ: هم الأنصارُ، وقَيلَةُ: أمُّهمُ الأُولى، وهي قَيْلَةُ بنت كاهِل.

والهَضْمُ: الوَضْعُ، والاطِّراحُ. تُريدُ به مَنْعَها مِن حَقِّها.

والجُنَنُ: جَمعُ جُنَّة، وهو ما يُدْفَعُ به الأذى.

ونُخْبةُ الشيءِ: خالِصُه.

وخِيرتُه: ما اخْتِيرَ منه.

والانْتِجابُ، الجيم: الخِيارُ، وأخْذُ النَّجِيب مِن الشيء.

والمُنابَذَةُ: المُقاتَلَةُ، والمُخاصَمَةُ.

وصَمِيمُ العَرَبِ: أصْلُهم، وخالِصُهم.

والمُناهَضَةُ: مُفاعلةٌ من النُّهوض فى الأمر، والقيامِ به.

والمُكافَحةُ: المُقاتلَةُ، والمُدافَعَةُ.

والبُهَمُ: الجَماعَةُ، وقد تقدَّم.

ودَوَرانُ رَحا الإِسلام: كنايةٌ عن انتظامِ أمرهم، واستِمرارِه.

ودُرُورُ حَلَبِ الأيامِ: كنايةٌ عن اتِّساعِ الرِّزق، والخيرِ.

والنَّخْوَةُ: الحَمِيَّةُ، والكِبْرُ.

وباخَت النَّارُ: إذا فَتَرتْ وسكَنَ لَهَبُها.

والهَرْجُ: الاختِلافُ، والقَتلُ.

واسْتَوْسَقَ الأمرُن إذا تَمَّ، وكَمُلَ.

والنِّظامُ: العِقْدُ.

والجَوْرُ: الظُّلْمُ.

وإن كان بالحاء المهملَة: فهو مِن الضَّلال عن الطَّريق، والحيرةِ فيه.

وأَخْلَدَ إلى الأمرِ: إذا مال إليه، وألقى نَفْسَه نَحْوَه.

وخُلِبْتُم بالدَّعَةِ: أي خُدِعْتُم بالسُّكونِ والراحةِ.

والعَوْجُ: العَطْفُ، يقال: عُجْتُ البعيرَ، أَعُوجُه عَوْجاً، ثم استعير للرُّجُوع. يقال: فلانٌ ما يَعُوجُ عن كذا، أي ما يَرْجعُ عنه.

والمَجُّ: إلقاءُ ما في الفَمِ، أو الجَوْفِ.

ويُرْوَى: "جَمْجَمْتُم"، وهو تَرْكُ الإِفصاحِ بالقولِ.

والَّلْفظُ: الرَّمْيُ، يقال: لَفظْتُ الشيءَ، ألْفِظُه: إذا رَمَيْتَه.

وسُوِّغْتُم: أي جُعِلَ لكم سائغاً، هَنِيءَ البَلْعِ.

ويُرْوَى: "دَسَعْتُم"، أي دفَعْتُم، يقال: دَسَعَهُ دسْعاً، إذا دَفَعه.

والخِذْلَةُ: الحالةُ مِن الخِذْلان.

والمُخامَرَةُ: المُخالَطَةُ.

والفَيْضُ: الامتِلاءُ، والجِرْيُ.

والمُنْيَةُ: فُعْلَةٌ من التَّمنِّي.

والنَّفْئَةُ: المَرَّةُ مِن النَّفْثِ، وهو أقلُّ البَصْقِ.

والمَعْذِرَةُ: مَفْعِلةٌ مِن الاعتذارِ.

تريدُ: إنما قلتُ هذا القولَ، لأنَّ نَفْسي امتلأتْ ففاضَتْ، وغَلَبنِي الغَيظُ، فأعطيتُه مُناه، وامتلأ صَدْرِي فبصَقْتُ، وأظْهَرْتُ الحُجَّةَ، ليقومَ عُذْرِي فيما قلتُ.

والاحْتِقابُ: الادِّخارُ، والاقْتِناءُ، يقال: حَقَبَ الشيءَ، واحتَقَبه.

والضميرُ راجعٌ إلى الحالِة، كالضَّمير المتقدِّم.

والمُدْبِرَةُ الظَّهرِ: النَّاقةُ التي دَبِرَ ظَهرُها، وانْعَقَر.

والمَهِيضُ: المكْسُورُ، المُهانُ.

والخَوراءُ: اللَّيِّنةُ الضَّعيفةُ، من الخَوَرِ: الضَّعِف.

والقَناةُ: استعارةٌ لصُلْبِها، أو قَوائمِها.

والنّاقِبةُ الخُفِّ: هي التي حَفِيَ خُفُّها، نَقِبَتْ فهي ناقِبةٌ، وأنْقَبَ الرجلُ، وأدْبَرَ: إذا حَفِىَ خُفُّ بعيرِه، وانْعَقَر ظَهْرُه.

والعارُ، والشَّنارُ بمعنىً.

والنَّذيرُ: المُنْذِرُ، فعيلٌ بمعني مُفْعِل.

والكَيدُ: المَكْرُ.

والإنْظارُ: التأخيرُ.

والهَنْبَثَةُ: الأمرُ العظيمُ، المختلفُ، وجَمْعُها: هَنابِثُ.

ويُرْوَى: "هَيْنَمَةٌ". وهي الكلامُ الذي لا يُفْهَمُ لخفائِه، كالدَّنْدَنةِ، والياءُ زائدةٌ.

والوابِلُ: المَطَرُ الغزيرُ.

والتَّهَضُّمُ: الإِذْلالُ، والانْتِقاصُ.

وفَحْوَى الكلامِ: مفهومُه، دُونَ صَريحه.(340)

____________

340- منال الطالب فى شرح طوال الغرائب / ابن الاثير: 508 ـ 527، مع الهوامش.

الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) فى نساء المهاجرين والأنصار.

 

قال ابن الأثير:

رُوِي أنَّها مَرِضَتْ (عليها السلام) قَبْلَ وفاتِها، فدخلَ إليها نِساءُ المهاجرين والأنصار، يَعُدْنَها، فقُلْنَ لها: كيف أصبحتِ من عِلَّتِك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقالت: أصبحْتُ، واللهِ، عائفةً لِدنياكُنَّ، قاليةً لرِجالِكُنّ، لَفَظْتُههم بَعْدَ أ عَجَمْتُهم، وشَنِئتُهم بعد أن سبرْتُهم، فقُبْحاً لفُلُولِ الحَدِّ، وخَطَلِ الرَّأي، وخَوَرِ القَناةِ، (لبِئْس ما قَدَّمَتْ لهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(341).

لقد قَلَّدهُم رِبْقَتَها، وشُنَّتْ عليهم غارتُها، فجدْعاً، وعَقْراً، وبُعْداً للقومِ الظَّالمين.

وَيْحَهُم أَنَّى زَحْزَحُوها عن رَواسي الرِّسالةِ، وقواعدِ النُّبوَّة، ومَهْبِطِ الرُّوح الأمينِ!

ما الذي نَقَمُوا من أبي حَسَن؟ نَقَمُوا، واللهِ، شِدَّةَ وَطْأَتِه، ونَكالَ وَقْعَتره، ونَكيرَ سَيْفِه، وتَنَمُّرَه فى ذاتِ اللهِ.

وايْمُ اللهِ، لو تكافَأُوا على زِمام، نَبَذه إليه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، لَسارَ

____________

341- سورة المائدة: 80.

 

بِهم سَيْراً سُحُجاً، لا يَكْلِمُ خِشاشُه، ولا يَتَعْتَعُ راكبُه، ولأوْرَدَهُم مَنْهَلا نَمِيراً فَضْفاضاً، تَطْفَحُ ضَفَّتاه، ولأَصْدَرهُم بِطاناً قد يحترتهم(342) الرِّىُّ، غيرَ مُتَحلٍّ منه بطائل، ولفُتِحَتْ عليهم بركاتٌ من السَّماءِ والأرض.

ألا هَلُمَّ فاَعْجَبْ، وما عِشْتَ أراكَ الدهرُ عَجَباً!

فَرغْماً لِمَعاطِسِ قوم يَحْسَبُون أنهم يُحْسِنون صُنْعاً.

ولَعَمْرُ اللهِ، لقد لَقِحَتْ، فنَظِرَةً رَيْثَما تُنْتَجُ، ثم احْتَلِبُوا طِلاعَ القَعْبِ، دماً عَبِيطاً، وذُعافاً مُمْقِراً، فهنالك يَخْسَرُ المُبْطِلون، ويَعْرِفُ التَّالُون غِبَّ ما أسَّسَ الأَوَّلُون.

فَطِيُبوا عن أنفُسِكم نَفْساً، وطامِنُوا للفِتْنة جَأْشاً، وأبْشِرُوا بسَيف صارِم، وهَرْج شامِل، يَدَعْ فَيْئكُم زَهِيداً، وجَمْعَكم حَصِيدا.

فيا حَسْرةً عليكم، وأنَّى بكم، وقد عَمِيَتْ عليكم؟ (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(343).

* * *

هذا طَرَفٌ مِن حديث أطْولَ منه، يُرْوَى من طريق أهل البَيتَ (عليهم السلام).(344)

____________

342- هكذا رسم الكلمة فى الأصل، ولم ينقط منها شيء، وقد رسم فوقها الناسخ رأس ص صغيرة، علامة التوقف، ولم يعرض لها المنصف فى الشرح، وقد جاء فى شرح نهج البلاغة لأن ابي الحديد: "وقد تحير بهم الرأي".

343- سورة هود: 28.

344- منال الطالب فى شرح طوال العرائب: ابن الأثير: 528 ـ 529.

 

ألفاظ الخطبة التي شرحها ابن الاثير

العائف: الكارِهُ للشيء، وقد عِفْتُ الشيءَ، أعافُه.

والقالي: المُبْغِضُ، والهاجِرُ، وقد قَلَي الشيءَ، يَقْلِيه قِلا.

واللَّفْظُ: الرَّمْيُ، والإِلقاءُ.

والعَجْمُ: الاختِبارُ، وأصلُه العَضُّ، يقال: عَجَمْتُ العُودَ: إذا عَضضْتَه بأسنانِك، لتختبرَ قُوَّتَه مِن ضَعْفِه.

وشَنِئْتُم: إذا أبْغَضْتَهم، يقال: شَنِئْتُه، أشْنَؤْه، شَنْآناً، وشَنَآناً.

وسَبَرْتُ الشيءَ: إذا اخْتبْرتَه، وتحقَّقْتَ أمرَه.

وفُلُولُ الحَدِّ: جَمْعُ فَلِّ، وهو تَثَلُّمُه، وكَلالُه.

وخَطَلُ الرَّأيِ: فَسادُه، واضْطِرابُه، وأصلُه فى الكلام، يقال: خَطِلَ فى كلامِه، بالكسر، خَطَلا، وأخْطَلَ: إذا أَفْحَشَ. وخَوَرْ القَناةِ ضَعْفُها.

والرِّبقَةُ في الأَصل: عُرْوةٌ في حَبْل، تُجْعَلْ فى يدِ الجَدْىِ، أو رقَبتِه، لئلاَّ يَفِرَّ، ثم استُعيرتْ للعَهْدِ، والمِيثاق.

وشَنُّ الغارةِ: تَفْريقُها من جميعِ النواحي.

والجَدْعُ: القَطْعُ، وإذا أُطْلِق كان بقَطْعِ الأنف أخَصَّ.

والعقْرُ: الجَرْحُ.

والبُعْدُ: الهَلاكُ.

وهذه كلُّها منصوباتٌ بأفعال مُضْمَرة، تقديره: أصَبْتَ جَدْعاً، ولَقِيتَ عَقْراً، وبُعْداً.

والزَّحْزَحةُ: التَّنحيةُ، والإِبْعادُ، يقال: زَحْزَحْتُه فَتَزَحْزَحَ.

والرَّواسِي: الجِبالُ، من الرُّسُوِّ: الثَّبات.

والمَهْبِطُ: مَوضِعُ الهُبُوطِ: النُّزولِ.

والرُّوحُ الأمينُ: جِبْريلُ، لأنه صاحبُ الوَحْي، فهو أمينٌ عليه ونَقِمْتُ الشيءَ، أنْقَمُه: إذا كرهتَه، وأنكرتَه، يقال: نَقِمَ، ونَقَمَ. والنَّكالُ: العِقابُ.

والنَّكيرُ: الإنكارُ، ومنه قوله تعالى: (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيِرِ)(345).

ويجوز أن يكونَ بمعني الشَّديد الصَّعْبِ، مِن نَكُرَ الأمرُ: إذا صَعُبَ، واشْتدَّ.

والتَّنَمُّرُ: الغَضَبُ، والشِّدَّةُ، وهو بِناءٌ مِن لَفْظِ النَّمِرِ، فى التَّشبُّهِ بأخلاقِه.

وذاتُ اللهِ: تقدّم بيانُه قبلَ هذا.

والتَّكافُؤُ: التَّساوِي.

والسَّيْرُ السُّجُحُ: الَّلِّينُ السَّهْلُ.

____________

345- سورة الحج: 44.

 

والكَلْمُ: الجَرْحُ.

والخِشاشُ: عُوَيْدٌ يُجْعَلُ في أَنْفِ البعيرِ، ويُشَدُّ به الزِّمامُ.

والتَّتَعْتُعُ: الاضطرابُ، والتَّردُّدُ فى القولِ والفِعلِ.

والمَنْهَلُ النَّمِيرُ: المَوْرِدُ النَّاجعُ، عَذْباً كان أو غيرَ عَذْب. قاله الجوهريُّ.

والفَضْفاضُ: الواسِعُ.

وطَفَحَ الإرناءُ: إذا امتلأَ، وفاضَ.

وضَفَّتا الوادِي والنَّهْرِ: جانِباه، وقد تُكْسَرُ الضادُ.

والبِطانُ: المُمْتلؤُ البُطُونِ، واحدُهم بَطِينٌ.

وقولُها (عليها السلام): "غيرَ مُتَحَلٍّ منه بطائِل" أي غيرَ أخذ لنفسِه منه حَظّاً كبيراً، وإنه قانعٌ منه باليَسير.

والرَّغْمُ: الذُّلُّ، والهَوانُ، من الرَّغامِ: التُّرابِ.

والمَعاطِسُ: الأُنوفُ، وهو كنايةٌ عن الذاتِ كلِّها.

ولَعَمْرُ اللهِ: من ألفاظِ القَسَم، وقد تقدَّم بيانُها مبسُوطاً.

ولَقِحَت النَّاقةُ: إذا حَمَلتْ، فهي لاقِحٌ.

والنَّظِرَةُ: الانتِظارُ، والتَّأخيرُ.

ورَيْثَما: أي بَقْدرِ ما، وقد تقدَّم.

ونُتِجَت النَّاقةُ، تُنْتَجُ نِتاجاً، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه: إذا ولَدَتْ، ونَتَجها أهلُها نَتْجاً، فهي مَنْتُوجةٌ.

والقَعْبُ: الإِناءُ الذي يُحْلَبُ فيه، ولا يكون إلاَّ مِن خَشَب.

وطِلاعُه: مِلْؤُه.

والدَّمُ العَبِيطُ: الطَّرِىُّ.

والذُّعافُ: السَّمُّ، وموتٌ ذُعافٌ: سريعٌ، يُعَجِّلُ القَتْلَ، كشارِب السَّمِّ.

والمَقِرُ: المُرُّ، وقد مَقِرَ مَقَراً، وأمْقَرَ: إذا صارَ مُرّاً.

وهُنالك: بمعنى ثَمَّ.

والتَّالُون: جَمْعُ تال، وهو الذي يجيء بعد الماضي.

وغِبُّ الشيءِ: عاقِبتُه.

والجَأْشُ، بالهمز: النَّفْسُ. أي سَكِّنُوا أنفُسَكم، ووَطِّنوها على احْتمالِ الفِتْنة، والقَتْلِ.

والهَرْجُ: الاختِلافُ والقَتْلُ.

والفَىْءُ: ما يحصُل للمسلمين من أموال الكُفَّار، عن غير قتال، ولا غارة.

والزَّهيدُ: القَليلُ.

والحَصيدُ: المَحْصُودُ، فكَنَتْ به عن الاستئصالِ، والتَّفريق.(346)

____________

346- منال الطالب فى شرح طوال الغرائب: ابن الأثيرن 530 ـ 534.

 

6 ـ خطبة فاطمة (عليها السلام) برواية سبط ابن الجوزي
(ت 654 هـ) في تذكرة الخواص

وقد ذكر قسماً منها أيضاً.

قال: وقال الشعبي: لما منعت ميراثها لاثت خِمارها على رأسها ـ أي عصبت ـ يقال: لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثاً ـ أي عصبها ـ وقيل: اللوث: الاسترخاء، فعلى هذا يكون معنى لاثت ـ أي أرخت ـ وحمدت الله تعالى وأثنت عليه، ووصفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بأوصاف، فكان مما قالت (عليها السلام):

كان كلما فغرت فاغرة من المشركين فاها، أو نجم قرن من الشياطين، وطأ صماخها بأخمصه، وأخمد لهيبها بسيفه، وكسر قرنها بعزمته، حتى إذا اختار الله له دار أنبيائه، ومقر أصفيائه وأحبائه، أطلعت الدنيا رأسها إليكم، فوجدتكم لها مستجيبين، ولغرورها ملاحظين، هذا والعهد قريب، والمدى غير بعيد، والجرح لم يندمل، فأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم.

يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي، ودونكها مرحولة مذمومة، فنعم الحاكم الحقّ، والموعد القيامة، و (لِّكُلِّ نَبَأ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(347).

ثمّ أومأت إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت:


قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكبر النوب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واغتيل أهلك لما اغتالك الترب
وقد رُزينا بما لم يرزه أحد من البرية لا عجم ولا عرب

ثمّ أنّها (عليها السلام) اعتزلت القوم، ولم تزل تندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وتبكيه حتى لحقت به.(348)

____________

347- سورة الأنعام: 67.

348- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 285.

 

7 ـ من أشار إلى خطبة الصديقة فاطمة (عليها السلام)
أو روى شيئاً منها

نذكر بعضاً منهم على سبيل المثال لا الحصر، وهم كالتالي:

1 ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ) في كتاب العين: 8 / 323 في كلمة اللمّة، وقال: وفي الحديث جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر في لُميمة من حفدتها ونساء قومها.

2 ـ جار الله محمد بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ).

في الفائق: 3 / 331 في مادة اللمة أيضاً قال: وفي حديث فاطمة (عليها السلام): إنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها، حتى دخلت على أبي بكر.

3 ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، (ت 597 هـ).

في غريب الحديث: 2 / 333 وقال: وفي الحديث: أنّ فاطمة (عليها السلام) خرجت في لمة من نسائها إلى أبي بكر فعاتبته.

أي في جماعة ; وقيل: من الثلاث إلى العشر.

4 ـ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير (ت 606 هـ).

في النهاية في غريب الحديث والأثر: 4 / 273 وقال: في حديث فاطمة (عليها السلام): إنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها، إلى أبي بكر فعاتبته.

5 ـ أبو الفضل جمال الدين بن منظور (ت 711 هـ).

في لسان العرب: 12 / 548 وقال: وفي حديث فاطمة (عليها السلام): إنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته. ذكرها في مادة لمم.




العودة الى الصفحة الرئيسية